طهران- خلافا لما دأبت عليه إيران خلال السنوات الأخيرة بتنظيم مناورات عسكرية مجدولة مسبقا من حين لآخر، تحت مسميات مختلفة؛ منها “مدافعو سماء الولاية وذو الفقار ومدافعو خيبر” وغيرها، فإن بحرية الحرس الثوري بدأت أمس الأربعاء مناورات مفاجئة تحت عنوان “الاقتدار” بجزيرة أبو موسى في المياه الخليجية ستستمر حتى غد الجمعة.

وخلال المناورات، كشف الحرس الثوري عن صاروخي كروز “غدير” البحري و”فتح 360″ الباليستي اللذين يستخدمان الذكاء الاصطناعي، إلى جانب مسيّرات وسفن مزودة بصواريخ يصل مداها إلى 600 كيلومتر، مضيفا -في بيان- أن الهدف من المناورات هو “حماية أمن المياه الخليجية والجزر الإيرانية”، حسب تعبير البيان.

وعلى هامش المناورات، وصف قائد القوات البحرية للحرس الثوري الأدميرال علي رضا تنكسيري الخليج بأنه “ملك لكافة دوله”، وأن أمن المنطقة “منفعة مشتركة لجميع الدول المطلة” عليه، في حين لخّص القائد العام للحرس الثوري اللواء حسين سلامي رسالة المناورات بأن الدول الإسلامية المطلة على المياه الخليجية قادرة بمفردها على ضمان أمنها.

ويقرأ مراقبون في إيران تصريحات قادة الحرس الثوري في سياق الدعوة التي وجهتها الجمهورية الإسلامية للدول الخليجية عام 2019 للانضمام إلى “مبادرة هرمز للسلام” الداعية للتعاون الإقليمي من أجل ضمان أمن المنطقة وسد الطريق أمام القوات الأجنبية فيها.

من ناحيته، يرى الباحث في الشؤون العسكرية مهدي بختياري أن اختيار منطقة “نازعات” البحرية لإجراء المناورات يدل على الجزر المتنازع عليها، موضحا أن هذه المناورات موجهة في الأساس إلى الحضور العسكري الأجنبي في المنطقة.

مضيق هرمز

وبعد إرسال الولايات المتحدة الشهر الماضي سفينة حربية ومزيدا من الطائرات المقاتلة من طراز “إف-35″ و”إف-16” إلى الشرق الأوسط، جددت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) -قبل أسبوعين- عزمها على تعزيز وجودها العسكري في المنطقة “لمراقبة مضيق هرمز والمياه المحيطة به”.

وفي حديثه للجزيرة نت، يستذكر بختياري مناورة تحالف الأمن البحري الدولي بعنوان “الدرع الحارس” الأسبوع الماضي قرب مضيق هرمز، ويقرأ عنصر المفاجأة وعدم الإعلان المسبق عن مناورات الحرس الثوري في سياق استعداده الدائم في المياه الخليجية لمواجهة التطورات التي من شأنها زعزعة الأمن الإقليمي، وفق تعبيره.

وكشف عن تدشين الحرس الثوري “فرقة الشهيد حججي لضمان أمن منطقة نازعات البحرية” بالتزامن مع المناورة، مؤكدا أن المهمة المعلنة للفرقة البحرية الجديدة والتجهيزات العسكرية التي أصبحت بحوزتها لا تدع مجالا للشك في أن الحرس الثوري قد زاد دائرة المراقبة في المياه الخليجية ومضيق هرمز انطلاقا من جزيرة أبو موسي حتى شعاع 600 كيلومتر على أقل تقدير.

“السن بالسن”

واعتبر الخطوة الأميركية الأخيرة تحديا لبلاده عقب تحدي بحرية الجيش الإيراني نظيرتها الأميركية ورسوها قبل أشهر في شواطئ البرازيل، موضحا أن التجهيزات العسكرية التي كشف عنها الحرس الثوري مؤخرا مناسبة لمواجهة التعزيزات العسكرية الأميركية التي في طريقها إلى المنطقة.

وكانت الولايات المتحدة قامت بمضايقات على عدد من دول أميركا اللاتينية لمنعها من استقبال أسطول البحرية الإيرانية “360” خلال مهمته الأخيرة حول الكرة الأرضية على مدى 8 أشهر، والكلام للباحث الإيراني الذي يرى أن بلاده لن تقبل بعد اليوم التواجد العسكري الأميركي قرب أراضيها ومياهها وسمائها.

وخلص إلى أن بحرية الجيش الإيراني ستواصل إبحارها في المحيطات، لا سيما الهادي والأطلسي، والمضايق القريبة من الولايات المتحدة، وستكون على أتم الاستعداد لمواجهة أي تحرك للبحرية الأميركية من شأنه زعزعة أمن الشرق الأوسط.

من جهته، يعتقد الباحث السياسي قيس القريشي أن مناورات الحرس الثوري ترسل رسالة تحذيرية مزدوجة إلى الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي من مغبة الاقتراب من مياه إيران الإقليمية، موضحا أن إسرائيل التي تعاني أزمة داخلية حقيقية تريد مصادرتها إلى المنطقة الخليجية.

لا سلم ولا حرب

وفي حديث للجزيرة نت، أوضح القريشي أن إيران تحاصر إسرائيل عبر حلفاء طهران في سوريا ولبنان وقطاع غزة، ولن تسمح لتل أبيب بجر المعركة إلى عقر دارها بمساعدة الولايات المتحدة، موضحا أن الحضور الأميركي والإسرائيلي في المياه الخليجية سيزعزع أمنها، مثل حوادث السفن التي شهدتها المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية.

ورأى أن حالة “لا سلم ولا حرب” حكمت العلاقة بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة خلال السنوات الماضية، وأن منافسي الإدارة الديمقراطية ينتقدون حرصها على المحافظة على هذه المعادلة ويرون أن استمرارها لا يصب في مصلحة واشنطن.

وقرأ القريشي مناورات الحرس الثوري بأنها تمرين عملي لمواجهة أي تحرك أميركي محتمل ضد إيران عقب فشل جميع المفاوضات والوساطات الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي الذي راهنت إدارة بايدن عليه لوضع حد للقضايا الشائكة مع إيران، وفق تعبيره.

وختم بأن الحرب الخفية بين محور المقاومة والولايات المتحدة على أشدها في المنطقة، وأن التوتر الناجم عن حضور القوات الأميركية في شرق الفرات بسوريا يأتي في سياق معركة طرح القوات الأميركية من المنطقة التي دشنتها طهران عقب اغتيال قائدها العسكري قاسم سليماني في غارة أميركية على طريق مطار بغداد مطلع 2020.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.