هل يكون الحوار ممكنا بين كتاب من طرفي نزاع مسلح؟ ذلك هو السؤال الذي هز آخر مهرجان للأدب العالمي نظمته “بن أميركا” (PEN America)، حين دعت الجمعية إلى فعاليتها كتابا أوكرانيين وروسا معارضين للمشاركة فيه.

وتبدو أزمنة الحرب فرصة لدراسة العلاقة بين السياسة والثقافة، والسلطة والمعرفة، ورجال الدولة والسيف ورجال الفكر والقلم، فهل آثر المثقفون والكتاب والأدباء القيام بمهمة التحليل والنقد وإبداء الرأي كأدوات تأثير بديلة عن أدوات الدولة؟ أم انحازوا لركب السلطة وأدخلوا أقلامهم في أتون الحرب المشتعلة؟ أم أن المثقفين أبناء مجتمعهم لا يجوز أن يتأخروا عنه؟

ومع احتدام الحرب الروسية على أوكرانيا، اصطفت اتحادات الكتاب من البلدان الجارة (روسيا وأوكرانيا وبلدان البلطيق) خلف مواقف حكوماتها، ورغم الروابط الثقافية القوية والقديمة بين تلك البلدان التي يجمعها تاريخ مشترك، لكن في زمن الحرب لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وأصبحت خطابات الكتاب والأدباء واتحاداتهم لا تكاد تختلف عن خطابات الساسة، كما رصد تقرير سابق للجزيرة نت.

وكان من المفترض أن يشارك 3 كتّاب أوكرانيين، اثنان منهم عسكريّان، في “مهرجان أصوات من العالم” الذي تنظمه الجمعية في نيويورك خلال مايو/أيار الجاري، لكنهم احتجوا على وجود كتّاب روس فيه.

وقال أحدهم، وهو الجندي في الشرطة العسكرية أرتيم شابيي، إن الظهور بجانب كتّاب روس قد يبدو خيانة بنظر رؤسائه ورفاقه.

وأضاف في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية “أدركُ أن هؤلاء الأشخاص لا يدعمون حكومة (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين، لكن لديّ واجبات كجندي”.

لا صوت يعلو فوق صوت الحرب

من جهته، يؤكد رئيس فرع الجمعية الدولية في أوكرانيا فولوديمير يرمولنكو أنه لا يؤمن بإمكان الحوار في زمن الحرب. وقال إنه من الصعب “الجلوس بجانب ممثّلين عن روسيا، في حين أن رفاقنا قد يقضون بنيران روسيا”.

وإزاء استحالة التوصل إلى تسوية، ألغى كاتبان روسيان والصحفية في مجلة “ذي نيويوركر” (The New Yorker) ماشا غيسن مشاركتهم في المهرجان. ورأت الروائية الروسية أنا نيمزر، التي فرت من روسيا بعد بدء الحرب في أوكرانيا، أن هذا الخيار كان أليما، لكنها تؤكد أنها تتفهم رفض الأوكرانيين التحاور مع كتّاب روس.

وقالت مبدية أسفها “أحمل جواز السفر اللعين هذا، إنني جزء من كل ذلك بلغتي وكوني عشت هناك كل حياتي، لا يمكنني الإفلات من الأمر”. وتابعت “إنه فخ، هذا غير عادل! لكن كيف يمكنني حتى التفوه بعبارة (غير عادل)، حين نعلم جيدا ما هو غير عادل فعلا، أي القنابل التي تتساقط” في أوكرانيا.

واستقالت ماشا غيسن التي هاجرت من موسكو في طفولتها، من مجلس إدارة “بن أميركا” احتجاجا على ما حدث. وأوضحت لشبكة التلفزيون الروسية في المنفى “دوجد” خطوتها قائلة “بنظري، لا يمكن لمنظمة تدافع عن حرية التعبير مقاطعة كلام أحد”.

صراع الثقافات

وأبدت مديرة “بن أميركا” سوزان نوسيل أسفها على ما جرى قائلة “كان يجدر بنا اعتماد نهج أفضل”.

ووقع خلاف مماثل في وقت سابق هذا الشهر في تارتو في إستونيا، حين رفض شاعران أوكرانيان المشاركة في مهرجان أدبي دُعيت إليه الكاتبة الروسية الشهيرة لينور غوراليك.

وأشارت الشاعرة الأوكرانية أولينا حسينوفا إلى ما سمته “جرائم الحرب المرتكبة في أوكرانيا باسم الثقافة الروسية”، موضحة أسباب رفضها المشاركة في المهرجان.

وأضافت الشاعرة التي فرت من كييف في فبراير/شباط 2022 عند بدء الغزو الروسي حاملة فقط الملابس التي كانت ترتديها، “لو كنت ممثلة للثقافة الروسية، لما وجدت القوة الكافية لتولي الكلام، لكنت شعرت بالعار”.

وتصور هذه الخلافات الصعوبات التي تواجهها المنظمات الدولية لإظهار دعمها لأوكرانيا مع التعاون في الوقت نفسه مع المنشقين والمعارضين الروس.

المقاطعة الثقافية

وإن كان عديد من الفنانين فروا من روسيا، فإن آخرين بقوا هناك وواصلوا التعبير عن معارضتهم للحرب، وهم يخضعون للمضايقات والتهديد والتوقيف.

ودعت سوزان نوسيل بعد الحرب الروسية على أوكرانيا إلى عدم مقاطعة الثقافة الروسية بلا تمييز. وكتبت في صحيفة “وول ستريت جورنال” (The Wall Street Journal) أن “التحاور مع روس ذوي استقلالية ذهنية أمر أساسي للإضاءة على الأزمة الحالية وإيجاد سبل لتخطيها”.

ورأى المدير السابق لأكبر جائزة أدبية روسية غورغي أوروشادزه، الذي فر من بلاده، أن من واجبه “نشر كتب تعبر عن حزن الواقع الروسي”. وأكد أن “هذا مهم الآن، وسيكون مهما للمؤرخين في المستقبل”.

كيف السبيل في ظل هذا الوضع لإقامة حوار بين فنانين من الجانبين حتى بعد انتهاء الحرب؟ يتوقف ذلك -برأي فولوديمير يرمولنكو رئيس جمعية “بن أوكرانيا”- على إذا ما “كان هناك مسار توبة، توبة حقيقية”.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.