الخرطوم – تخرج “سلوى” من أحد مراكز الإيواء في مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان والتي فرت إليها من الخرطوم، إلى أحد أحياء المدينة فجر كل يوم للعمل مع أسرة حتى تحصل على ما يعينها على إطعام أطفالها الثلاثة وزوجها المريض.
سلوى واحدة من أكثر من 1.5 مليون شخص نزحوا من الخرطوم إلى ولاية الجزيرة عقب اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل/نيسان الماضي.
وتحتضن ود مدني ومدن ولاية الجزيرة الأخرى أكثر من 300 مركز لإيواء النازحين من الخرطوم، وتقول سلوى للجزيرة نت إنها لم تجد أي دعم لمساعدتها في إطعام أطفالها سوى وجبات محدودة من متطوعين في الأسابيع الأولى ثم توقفت.
وتضيف أنها لم تحصل على أي حصص غذائية كما تم وعدها من قبل مفوضية “العون الإنساني” الحكومية، وسمعت أن بعض المساعدات وصلت، لكنها لم تغط سوى عدد محدود من النازخين، مما دفعها إلى العمل حتى تحصل على مبلغ زهيد يساعدها في توفير الحد الأدنى من احتياجات أطفالها وزوجها المريض.
سلوى ليست وحدها، فغالبية من هجروا ديارهم إلى مراكز إيواء، أو آوتهم أسرهم الممتدة في الولايات الآمنة التي نزحوا إليها، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، لكنهم لم يجدوا حتى الآن سوى وعود عبر وسائل الإعلام بمساعدات عالمية في طريقها إليهم.
تضارب التقديرات
وتقول الأمم المتحدة إن الصراع في السودان جعل نحو 24 مليون شخص -نصف سكان البلاد- في حاجة إلى الغذاء ومساعدات أخرى، لكن 2.5 مليون فقط تلقوا مساعدات بسبب القتال الضاري ونقص التمويل.
وتعهد مانحون دوليون في يونيو/حزيران الماضي بتقديم مساعدات إنسانية للسودان بمبلغ يقترب من 1.5 مليار دولار، استجابة لمناشدة الأمم المتحدة زيادة المساعدات إلى المتضررين من الصراع في السودان.
ووفقا لتقديرات أممية، فإن أكثر من 4 ملايين شخص أُرغموا على الفرار داخل السودان وإلى البلدان المجاورة منذ بداية القتال، من بينهم أكثر من 3.2 ملايين شخص نزحوا داخل البلاد.
وفي المقابل، يرى وزير التنمية الاجتماعية في السودان أحمد آدم بخيت أن تقديرات الأمم المتحدة بشأن عدد السودانيين الذين يحتاجون إلى مساعدات غذائية مبالغٌ فيها، وأن الحكومة تقدر عددهم بـ6 ملايين مواطن وليس نصف عدد سكان البلاد.
ويقول بخيت، في تصريح للجزيرة نت، إن هناك آخرين من المتضررين من الحرب غالبيتهم في الخرطوم ممن فقدوا مصادر رزقهم من موظفي الشركات والمؤسسات والمصانع التي دمرت.
وبحسب بخيت، فإن الاحتياجات الإنسانية التي قدرتها الحكومة تبلغ 365 ألف طن خلال 6 أشهر، لكن ما توفر حتى الآن منذ بداية الأزمة 7.5 آلاف طن تبرعت بها الدول العربية وتركيا والهند، بالإضافة إلى مخزون برنامج الغذاء العالمي داخل البلاد، وخدمات أخرى قدمتها منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونسيف” واللجنة الدولية للصليب الأحمر وأطباء بلا حدود.
ويضيف بخيت أن ما تم توزيعه حتى الآن 12 ألف طن على النازخين في مراكز الإيواء في ولايات الجزيرة والنيل الأبيض ونهر النيل، والتي تستضيف نحو مليوني نارخ، غالبيتهم من الخرطوم، بالإضافة إلى قافلة مساعدات وصلت إلى أم درمان بولاية الخرطوم وأخرى في إقليم دارفور.
لا مجاعة
وبشأن تعهد المانحين بمبلغ 1.5 مليار دولار في مؤتمر جنيف في يونيو/حزيران الماضي، يوضح وزير التنمية الاجتماعية أنه لم يتم توفير المبلغ بعد، ورأى أن جزءا كبيرا منه سيذهب للصرف الإداري والتشغيلي واللوجيستي، واصفا الاستجابة الدولية بأنها ضعيفة حتى الآن.
وأقر بأن ما تم توزيعه على المحتاجين ليس كافيا، لكنه استبعد حدوث مجاعة في البلاد، لأن موسم الخريف بدأ الشهر الماضي وتمت زراعة مساحات مقدرة، وركزت وزارة الزراعة على زراعة المحاصيل الغذائية، ووفرت مدخلات إنتاج لإنجاح الموسم.
ونفى بخيت بشدة اتهام الحكومة بعرقلة عمل المنظمات والبيروقراطية في منح التأشيرات لموظفي العمل الإنساني، مؤكدا أن وزارته نقلت مقرها إلى بورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر، ويوجد مكتب لوزارة الخارجية والأمن ومفوضية العون الإنساني لتسهيل عمل المنظمات ومعالجة أي عقبات تواجهها.
ويعتقد الوزير أن القتال يدور في أجزاء من ولاية الخرطوم وولايتي غرب دارفور ووسط دارفور، وبقية الولايات آمنة، ولذا فإن الأوضاع الأمنية ليست سببا في ضعف المساعدات الإنسانية التي ينتظرها المتضررون من الحرب.
إعياء المانحين
وفي السياق ذاته، يرى فتح الرحمن القاضي المستشار في مجال العون الإنساني والطوعي ورئيس المجموعة السودانية لحقوق الإنسان، أن سبب ضعف الاستجابة الدولية لتوفير المساعدات للسودانيين هو عدم تقديم الحكومة نداء للمانحين بصورة صحيحة، وعدم توفر الفضاء الإنساني والممرات وتحديد مناطق آمنة حتى يتاح للمنظمات الوصول إلى مواقع المتضررين بلا عوائق، بجانب انعدام الأمن.
وفي حديث للجزيرة نت، يعتقد القاضي أن المانحين وصلوا إلى مرحلة الإعياء بسبب تعدد بؤر النزاع في العالم، والتركيز على أزمة أوكرانيا، وانتقال الاهتمام إلى مناطق أخرى، وعدم تعاطف العالم مع السودان لعدم توفر الرغبة والجدية والإرادة لدى طرفي النزاع (الجيش والدعم السريع) في وقف القتال ومعالجة الأوضاع الإنسانية.
وعن تباعد تقديرات الأمم المتحدة والحكومة السودانية للمحتاجين إلى المساعدات، يرى القاضي أن تقديرات الطرفين أغفلت بعض الجوانب.
ويوضح أن الحكومة في تقديراتها لم تراع أن غالبية سكان ولاية الخرطوم صاروا في حاجة للمساعدات بسبب فقدانهم العمل، وأصبحوا من دون مصدر رزق بسبب التدمير الذي طال المصانع والشركات وبالتالي فقدوا مصدر الدخل، ومن نزحوا داخليا أو لجؤوا إلى دول مجاورة خرجوا بلا مدخرات، وفقدوا كل ما يملكون وباتوا في حاجة إلى رعاية إنسانية وتوفير وسائل لكسب العيش.
ويرجح الخبير في المجال الإنساني أن ما زاد تقديرات الأمم المتحدة لعدد المحتاجين هو توقعاتها بشأن الأمن الغذائي، وتأثير الحرب والأوضاع الأمنية على الموسم الزراعي من حيث توفر التمويل ومدخلات الإنتاج والمساحات التي يمكن زراعتها، الأمر الذي سينعكس على الإنتاج الزراعي الذي يعتمد عليه قطاع كبير من المواطنين.
وعن ارتفاع الكلفة الإدارية والتشغيلية خصما من دعم المانحين، يقول القاضي إنها ينبغي أن تكون ما بين 10% و15% لكنها تزيد بصورة أكبر في ظروف الطوارئ، حيث ترتفع أجور العاملين في المنظمات وكذلك تكاليف الخدمات الإدارية واللوجيستية.