يتناول مقال بمجلة “فورين بوليسي” الأميركية وضع سوق الطائرات المقاتلة، قائلا إنه دخل عصر تعدد الأقطاب، وإن الولايات المتحدة بحاجة لإستراتيجية جديدة لمواجهة فقدان هيمنتها القديمة على هذه السوق.
ويوضح المقال الذي كتبه المدير الإداري في شركة الاستشارات الديناميكية (إيرودايناميكس آدفايسري) الأميركية ريتشارد أبو العافية أن اتجاها عالميا برز حاليا يفيد بأن التصنيع الوطني للطائرات المقاتلة يعود من جديد، بعد أن حاولت دول أقل قدرات تصنيعية إنتاج مقاتلات دون نجاح يُذكر في الماضي.
وأضاف أنه مع هذا الاتجاه العالمي، بدأت الولايات المتحدة في إعطاء أولوية لتطوير طائرات أكثر قدرة وتخصصا بدلا من الطائرات الموجهة للتصدير، بحيث يمكن أن يكون جيشها مجهزا بشكل أفضل لصعود القوى العظمى مثل الصين. لكن النتيجة غير المقصودة لهذه السياسة ستكون تضاؤل الوجود في سوق مقاتلي التصدير.
الاحتفاظ بزمام القيادة في التقنيات
ويشير الكاتب إلى أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تتجاهل حقيقة أن سوق المقاتلات يتغير. ومع رغبة بقية العالم في الحصول على جزء من العمل، ستتقلص حصة الصناعة الأميركية في السوق تدريجيا. لكن إذا استخدمت واشنطن دورها القيادي التقليدي وعلاقاتها في سوق تصدير الأسلحة العالمي، فيمكنها، على الأقل، البناء على تلك العلاقات والاحتفاظ بزمام القيادة في التقنيات التي تشغل الطائرات المقاتلة في العالم.
وأشار أبو العافية أيضا إلى أن بيع المحركات الأميركية للعالم، على سبيل المثال، ليس مربحا لأميركا مثل بيع الطائرات المقاتلة بأكملها، لكنه لا يزال مربحا وأفضل من خسارة الأعمال تماما.
وأوضح المقال أنه كانت هناك في وقت سابق العديد من الدول الرئيسية والثانوية تريد بناء طائرتها القتالية الخاصة. ففي عام 1980، كان لدى جنوب أفريقيا وتايوان ويوغوسلافيا والبرازيل ورومانيا وإسرائيل واليابان والهند، من بين دول أخرى، مخططات لإنتاج طائرات مقاتلة وطنية. وتم بناء عدد قليل من هذه الطائرات محلية الصنع في أعداد صغيرة نسبيا، ولكن معظمها اختفى ببساطة خلال التسعينيات.
أسباب انهيار البرامج الوطنية
وكانت هناك أسباب عديدة لانهيار هذه البرامج الوطنية، مثل تقلص ميزانيات الدفاع بعد الحرب الباردة، وتقلص سوق المقاتلات أيضا، وتحرر الاقتصادات، وانخفاض الحواجز التجارية، وتغيّر السياسة الصناعية. وفي غضون ذلك، قامت الولايات المتحدة بعمل كبير في بيع الطائرات الجاهزة، وسيطرت طائرات “إف-16” من لوكهيد مارتن على السوق.
وكمتابعة، أنشأت الولايات المتحدة مقاتلة “إف-35 سترايك” المشتركة، التي دخلت الخدمة في عام 2015. وعززت هذه المقاتلة هيمنة واشنطن على الصادرات في سوق الطائرات المقاتلة العالمية. فمع أكثر من 20 عميل تصدير حتى الآن من النرويج إلى كوريا الجنوبية، حققت إف-35، مثل سابقتها، نجاحا كبيرا. لكن طائرة “إف-35” هي نتاج حقبة ما بعد الحرب الباردة، عندما كانت الدول راضية عن شراء المنتجات الجاهزة. ومع دخول منافسين جدد إلى السوق، لن تكون إف-35 كافية لنقل الصناعة الأميركية إلى المستقبل.
أهم الأمثلة على الاتجاه الجديد
ولبروز الاتجاه الجديد لتصنيع الدول مقاتلاتها الخاصة العديد من الأمثلة؛ فهناك تعاون اليابان مؤخرا مع المملكة المتحدة للمشاركة في تطوير طائرة جديدة سيتم بناؤها في كلا البلدين. وابتداء من أواخر عام 2030، ستتوقف لندن وطوكيو عن شراء طائرات إف-35، وسيتم البدء في بناء طائرتهما المشتركة.
وكوريا الجنوبية، المنتج الوطني الوحيد للمقاتلات الذي بدأ تطوير طائرات جديدة منذ الحرب الباردة، هي الدولة التي بدأت بالفعل (أو استأنفت) هذا الاتجاه، مع مقاتلة “كي إف-21 بوراما”. والآن، انضمت تركيا، مع مقاتلتها “كان تي إف”. وعادت تايوان إلى اللعبة أيضا مع طائرة التدريب “تشينغ كو” المولودة من جديد، وإنتاج مهاجمة خفيفة ومقاتلة من الجيل التالي بعد ذلك. كما كشفت دولة الإمارات، وهي سوق استيراد رئيسي للمقاتلات، عن طموحاتها في وقت سابق من هذا العام لتصنيع طائراتها الخاصة.
وحتى المملكة العربية السعودية، التي لم يكن لديها حتى وقت قريب قدرة صناعية دفاعية داخلية تقريبا، تهدف الآن إلى توطين 50% من مشتريات الدفاع الوطني بحلول عام 2030، وقد ترغب حتى في الانضمام إلى مشروع المقاتلات البريطانية اليابانية.
تجديد التركيز على القدرات الدفاعية
ويقول الكاتب إن هناك العديد من الأسباب لتجديد التركيز على القدرات الدفاعية. فمع تزايد التوترات في آسيا، والآن بأوروبا الشرقية، ارتفعت ميزانيات الدفاع. وفي الوقت نفسه، تقوم البلدان المنتجة الناشئة بتعليم المزيد من المهندسين والموظفين التقنيين. وعلى النقيض من ذلك، فإن البلدان المنتجة القديمة تواجه ارتفاع تكاليف العمالة وقلة المعروض من العمال التقنيين.
ومع تزايد تشظي صناعة الطائرات المقاتلة، يقول أبو العافية، من المرجح أن تفقد واشنطن هيمنتها التاريخية على السوق، داعيا الشركات والمسؤولين الأميركيين إلى أن يكونوا أكثر مبادرة في التنافس مع المنتجين الأوروبيين لتوفير التقنيات والأنظمة لبرامج المقاتلات في البلدان الأخرى، باستخدام -على سبيل المثال- بيع محرك جنرال إلكتريك للهند، كنموذج للمستقبل.