«يصحيك الزمان اللي يصحي كل من نامي»، عجز بيت لسعد بن جدلان -رحمه الله، ذكر فيه وظيفة من وظائف الزمن، الزمان كفيل بإفاقة كل من غفل، وفي صدر البيت يذكر الوقت أيضاً، بأنه يفيق الغافل من غفلته والنائم من نومه، عندما قال «مصير الوقت يشرح لك ظروفه لو غفلت ونمت، يصحيك الزمان اللي يصحي كل من نامي»، عجيب هو الزمن، ليس بمعناه النفسي عند ابن جدلان بل بسلوكه.

كيف بدأ الزمن؟

تخلصت نظرية الجاذبية من المكان المطلق، فصار يمكن حساب المسافة والتنبؤ بالحركة، وتخلصت النسبية من الزمان المطلق، كاد الفرنسي (هنري بونكاريه) أن يكتشف النسبية قبل (آينشتاين) لكنه لم يتصور الزمان الحر، بل ظلت حساباته عند الزمن المطلق وذلك بثبات الراصد الذي يراقب الحدث، بينما لمعت العبقرية عند آينشتاين فقال: «لماذا لا نحرك الراصد؟ سيختلف الزمان باختلاف اتجاه الراصد وسرعته».

تمر بنا ظروف صعبة في هذه الحياة، وننتظر الزمن الذي يأتي بالأعاجيب فتنفك كربتنا ويأتي الفرج أو ننسى. هذا السلوك العجيب الذي يحدث لنا بفعل الزمن من خلال انتظار ما يأتي به المستقبل. كيف لو ذهبنا للمستقبل ورأينا الفرج؟ أو رأينا استجابة الله لدعوة المظلوم؟ أو رأينا أنفسنا ونحن ننسى الألم ونمضي في الحياة عبر خط الزمن من الماضي إلى الحاضر في انتظار المستقبل؟

سألني صديقي: ما هو أغرب شيء في هذه الحياة التي نعيشها؟ لم أتردد كي أفكر في إجابة، أجبت مباشرة: الزمن، ما زال الزمن محيراً حتى لعلماء الفيزياء الكمية وفيزياء الفلك، كي يفهم العلماء الزمن؟ يجب أن تتوحد ثلاث نظريات في معادلة رياضية واحدة، وهذه أحجية صعبة جداً، لا بد من أن تتوحد فيزياء الجاذبية وفيزياء الكم وفيزياء الدينميكا الحرارية في معادلة رياضية واحدة. كون الأحداث تنتقل عبر الضوء، وكون الضوء يتكون من حبيبات صغيرة تسمى فوتونات، شكلت هذه الفوتونات عائقاً محيراً كي يفسر العلماء سلوكها، تارة تظهر كجسيم وتارة تسلك سلوك الموجة.

وانقسم العلماء إلى قسمين، جاء العبقري (آينشتاين) وقال قولته الشهيرة التي أكسبته جائزة نوبل: الفوتون هو جسيم وموجة في نفس الوقت ويمضي الفوتون ويعبر كدفقات «أكمام». كان هناك وقتها فريق من علماء الفيزياء واقع في حيرة أيضاً، لأن هناك جسيماً غريباً اسمه (الإلكترون) محير أيضاً. عندما توصّل (آينشتاين) لتفسير سلوك الفوتون المزدوج قام (بول ديراك) أحد أفراد ذلك الفريق وقال: ما ينطبق على الفوتون ينطبق على الإلكترون فهو موجة وجسيم في نفس الوقت ويعبر كدفقات (أكمام).

تفسير الجاذبية في النسبية العامة لـ(آينشتاين) جعل للزمن تفسيراً آخر، ظلت حركة كوكب عطارد القريب من الشمس محيرة، فلم تستطع جاذبية نيوتن التنبؤ بها، في كل مرة تفشل، لكن جاذبيته استطاعت التنبؤ وقياس انحناء الزمن الذي تسببه كتلة الشمس الكبيرة.

كتلة الشمس الكبيرة تقع على نسيج الزمان والمكان (الزمكان)، فينحني النسيج، ومع ذلك الانحناء تدور الكواكب حول الشمس، وكلما كان الكوكب قريباً من الشمس بفعل قربه من الانحناء تزداد سرعته.

تنبأت النسبية العامة بأن الضوء العابر بالقرب من الشمس سوف ينحني ولن يمر بخط مستقيم، وصدقت تلك التنبؤات وقيس ذلك الانحناء مع نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1919.

هل للزمان دماغ يفكر به وله حرية الاختيار؟

تجربة الشق والشقين الشهيرة، تجعلنا في حيرة من أمرنا للإجابة عن هذا السؤال، إذا أطلق فوتون على لوح به شقّان فإنه يسلك سلوك الموجة،

وإذا أطلق الفوتون على لوح به شق واحد فإنه يسلك سلوك جسيم ويعبر عبر الشق كدفقات (أكمام)، لو أطلق الفوتون على لوح به شقّان أحدهما مغلق والآخر مفتوح، ثم فتح الشق المغلق بعد إطلاق الفوتون فإن الفوتون يسلك سلوك الموجة، بالرغم من أنه أطلق وفي اللوح شق واحد، وهكذا يفعل الإلكترون. أجريت تجربة على الإلكترون وذلك بفتح الشق المغلق بعد عبور الإلكترون من الشق المفتوح، كانت النتيجة مذهلة، يستدير الإلكترون للوراء، للماضي الذي عبر منه بعد أن عبر الشق كجسيم ويعود للماضي، ويعدل شكله إلى موجة ويعبر من الشقين كموجة.

كيف لو امتلكنا هذه الخاصية، نعود للماضي ونصحح أخطاءنا الفادحة التي ارتكبناها بحق أنفسنا، أو بحق آخرين.

كان هذا السؤال مطروحاً بعد أن وقع العلماء في حيرة الزمان الذي ارتبط بالمكان، والمكان الذي تحول لنقاط الجاذبية، هل يستطيع الإنسان السفر للماضي؟ فلو سافر إنسان للماضي ليقابل جده السادس وقتله قبل أن يتزوج وينجب جده الخامس، هل هذا الخيار ممكن؟ سيموت هو على الفور لأن جده الخامس لم يكن بعد في الماضي، فكيف سيكون؟ لكن العلماء ومن خلال الحيرة التي أوقعهم فيها الزمن، قالوا إن الإنسان قد يستطيع السفر للمستقبل، أما الماضي فمستحيل.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
اترك تعليقاً