أمين معلوف يرى في التقدم التكنولوجي “إثارة” و”خطرًا” في آن واحد، ويحصل على جائزة مرموقة في المكسيك. هذا ما عبر عنه الروائي اللبناني الفرنسي، أمين معلوف، عند تسلمه جائزة أدب اللغات الرومانسية في غوادالاخارا بالمكسيك، مؤكدًا أننا نعيش في عصر يتسم بالتناقضات ويدعو إلى “اليقظة” و “الشعور بالمسؤولية”.
جائزة أدبية تكرم مسيرة أدبية متميزة لأمين معلوف
تسلم الكاتب الفرنسي اللبناني، أمين معلوف، جائزة أدب اللغات الرومانسية المرموقة في حفل أقيم بمدينة غوادالاخارا في المكسيك يوم السبت الماضي. تأتي هذه الجائزة تقديرًا لـ “مجموعة أعماله وقدرتها على استكشاف تصدعات العالم الحديث وتهجيناته بوضوح تام” كما أشادت بذلك لجنة التحكيم. الجائزة، التي تُمنح في افتتاح المعرض الدولي للكتاب أحد أهم معارض الكتب الناطقة بالإسبانية، تتضمن مكافأة مالية قيمتها 150 ألف دولار.
هذا التكريم يأتي بعد عامين من انتخاب أمين معلوف أمينًا دائمًا للأكاديمية الفرنسية، خلفًا لإيلين كارير دانكوس. يُعد هذا المنصب دليلًا إضافيًا على مكانة معلوف الرفيعة في الأوساط الأدبية الفرنسية والدولية.
عصر التكنولوجيا: بين الإثارة والتهديد
لم يخفِ معلوف إعجابه بالثورة التكنولوجية التي يشهدها العالم. وأشار إلى أن التقدم الحديث يتيح الوصول إلى “كل معارف الكون” بسهولة غير مسبوقة، والمشاركة في فعاليات دولية دون مغادرة المنزل، والتواصل مع الأحباء عبر مسافات شاسعة. إلا أنه في الوقت ذاته، عبر عن قلقه إزاء الجوانب المظلمة لهذه التكنولوجيا، واصفًا العصر الحالي بأنه “مُقلق، بل ومُخيف أحياناً”.
وأكد معلوف أن هذه التقنيات الجديدة قد تشكل تهديدًا للسلامة الجسدية والعقلية للبشرية، وحتى لبقائها. كما حذر من “سباق تسلح جديد بأدوات آخذة في التطور”، مشيرًا إلى المخاطر المرتبطة بفقدان السيطرة على التقنيات، خاصةً الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحيوية. هذه النقطة بالتحديد استحوذت على اهتمام وسائل الإعلام، حيث يعبر أمين معلوف عن رؤية متشائمة ولكن واقعية لمستقبل البشرية في ظل التطور السريع للذكاء الاصطناعي.
دعوة لليقظة والمسؤولية
أضاف معلوف أن تجاوز هذه المخاطر يتطلب “اليقظة” و”الشعور بالمسؤولية” و”بالمصلحة العامة”. ودعا إلى التفكير مليًا في الأبعاد الأخلاقية والاجتماعية للتقدم التكنولوجي، وتجنب الانغماس الأعمى في الإمكانيات التي يوفرها. هذا التأكيد على المسؤولية المجتمعية يتماشى مع اهتمامات معلوف المستمرة في أعماله الأدبية.
محطة جديدة في مسيرة روائي الهوية والمنفى
يمثل هذا التكريم محطة هامة في مسيرة أمين معلوف الروائية الغنية. يشتهر معلوف بمعالجة قضايا معقدة مثل الهوية والمنفى والاغتراب الثقافي في أعماله. من بين أشهر أعماله روايتي “ليون الأفريقي” و “صخرة طانيوس” اللتين حققتا نجاحًا واسعًا وساهمتا في ترسيخ مكانته كأحد أبرز الروائيين المعاصرين.
بالإضافة إلى الروايات، كتب معلوف العديد من المقالات والدراسات التاريخية التي تتناول علاقة الشرق والغرب، مثل “الحروب الصليبية كما رآها العرب” و”موانئ المشرق”. هذه الكتابات تعكس اهتمامه العميق بالتاريخ والثقافة العربية، وسعيه إلى تقديم رؤية متوازنة ومنصفة للأحداث. فهم أمين معلوف للتاريخ والثقافة يظهر جليًا في أعماله.
التأثير الثقافي و “الاشتاتية” في أدب معلوف
أشاد وزير الاقتصاد المكسيكي، مارسيلو إبرارد، بأمين معلوف باعتباره مدافعًا عن “القيمة الهائلة للتعايش بين الثقافات” في وقت يهدد فيه “العنصريون” الحريات. وهذا يعكس الدور الذي يلعبه معلوف في تعزيز التفاهم والتسامح بين الثقافات المختلفة.
يعتبر معلوف نفسه جزءًا من جيل من الكتّاب اللبنانيين الناطقين بالفرنسية، الذين يكتبون بأسلوب يمزج بين القوة والسلاسة ونفحة شرقية. كما أنه يتبنى مفهوم “الشتاتية” أو “الهوية الشتاتية” التي تصف حالة الأفراد الذين يعيشون بين ثقافات مختلفة، ويشعرون بالانتماء إلى أكثر من مكان. هذه الفكرة تجسد في كتاباته، خاصة في “بدايات” حيث يصف شعوره بالالتزام تجاه أسلافه، وكيف أن العائلة هي التي تؤسس للهوية الشتاتية.
في الختام، يمثل تكريم أمين معلوف في المكسيك اعترافًا بموهبته الأدبية الفريدة ورؤيته الثاقبة للعالم المعاصر. وسيظل معلوف، بفضل أعماله التي تتناول قضايا الهوية والمنفى والتكنولوجيا، صوتًا مؤثرًا في الأدب العالمي. ندعوكم لمتابعة أعماله والتفكير في الرسائل العميقة التي يحملها لنا.



