في خضم الأحداث المتسارعة التي تشهدها فلسطين، يظل صمود الإنسان الغزي وقصص حياته اليومية، محوراً رئيسياً يسعى العديد من الفنانين والمبدعين إلى تسليط الضوء عليه. من بين هؤلاء، يبرز الأخوان ناصر عرب وطرزان بتقديم أعمال سينمائية تسعى لإعادة الاعتبار للرواية الفلسطينية، وتقديم صورة إنسانية بعيداً عن التنميط. فيلمهما الأخير “كان يا ما كان في غزة”، يمثل محاولة جريئة لتوثيق واقع معقد، ويستكشف الآثار النفسية والاجتماعية للحصار المفروض على القطاع، ويقدم بذلك سينما غزة تعكس حقيقة الحياة فيها.
“كان يا ما كان في غزة”: نافذة على جيل الحصار
يشارك فيلم “كان يا ما كان في غزة” في مسابقة آفاق السينما العربية ضمن فعاليات الدورة الـ46 لمهرجان القاهرة السينمائي، بعد عرض أول له في مهرجان كان. يركز الفيلم على حياة جيل الشباب في غزة، الذين وُلدوا ونشأوا في ظل الحصار، وقُيدت طموحاتهم وأحلامهم بواقع لا يرحم. لا يهدف الفيلم إلى تقديم حلول سياسية، بل إلى إضاءة زوايا إنسانية في حياة هؤلاء الشباب، وأحلامهم البسيطة التي تصطدم بجدار الاحتلال والظروف الاقتصادية الصعبة.
الأخوان ناصر يؤكدان أن الفيلم يمثل امتداداً طبيعياً لعملهما السابق “غزة مونامور”، من حيث الاعتماد على شخصيات حقيقية وقصص مستوحاة من الواقع اليومي. “غزة مونامور” ركز على جيل كبار السن، بينما ينحاز “كان يا ما كان في غزة” إلى أصوات الشباب، الذين يعيشون في مساحة جغرافية صغيرة مكتظة بالسكان، محاصرة من جميع الجهات.
الظروف القاهرة وخيارات محدودة: قصة يحيى
يتناول الفيلم قصة يحيى، وهو طالب جامعي يمثل شريحة واسعة من الشباب الغزي الطموح. تدفعه الظروف الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة إلى الانخراط في تجارة المخدرات بعد لقائه بشخصية أسامة، ليجد نفسه أمام خيارات محدودة ومصير مجهول. يوضح الأخوان ناصر أن هذا المسار ليس مجرد قصة فردية، بل هو انعكاس لواقع يعيشه العديد من الشباب في غزة، الذين فقدوا الأمل في إيجاد فرص عمل أو تحقيق طموحاتهم بطرق مشروعة.
من المهم الإشارة إلى أن أحداث الفيلم تدور في عام 2007، وهو العام الذي بدأت فيه إسرائيل في فرض الحصار الشامل على قطاع غزة. يرى الأخوان ناصر أن هذا التوقيت مهم، لأن غزة اليوم تبدو مختلفة تماماً بعد الدمار الهائل الذي خلفته الأحداث الأخيرة، بينما كانت الحياة في عام 2007، رغم قسوتها، تتيح بعض المساحة للحركة والأمل.
جذور المعاناة وتأثير الحصار على الهوية الفلسطينية
يؤكد الأخوان ناصر أن معاناة الشعب الفلسطيني ليست وليدة اللحظة، بل هي ممتدة منذ النكبة في عام 1948. لكن الحصار المفروض على غزة أضاف بعداً جديداً لهذه المعاناة، وجعل الحياة أكثر صعوبة وتعقيداً. يشيران إلى أن إسرائيل عمدت إلى تقسيم الأراضي الفلسطينية، من خلال بناء “الجدار الذكي” الذي يهدف إلى عزل غزة عن الضفة الغربية والقدس، وفرض السيطرة الكاملة على القطاع.
ويعلق الأخوان على أن الحصار ليس مجرد إجراء اقتصادي، بل هو محاولة لتقويض الهوية الفلسطينية وصمود الشعب. مع ذلك، يؤكد الفيلم أن الغزيين يتمسكون بحقوقهم وأحلامهم، ويؤمنون بأن الاحتلال لن يدوم إلى الأبد. هذا الإيمان هو ما يمنحهم القوة لمواجهة التحديات والصعاب، ومواصلة النضال من أجل الحرية والكرامة الإنسانية. الفيلم يبرز أيضاً أن الفلسطينيين لا يرون أنفسهم كضحايا فحسب، بل كأمكنة للرغبة والحب والإبداع والرعب، كما هو الحال مع أي مجتمع بشري.
الفيلم كشهادة حية: إصرار على مواجهة النسيان
على الرغم من أن الأخوان ناصر أكملوا تحضيرات الفيلم قبل أحداث 7 أكتوبر 2023، إلا أنهما قررا الاستمرار في عرضه، حتى وإن لم يتناول الإبادة الجارية بشكل مباشر. يرى الأخوان أن الفيلم يمثل شهادة حية على ما تعرض له الشعب الفلسطيني على مر السنين، وأن عرضه في هذه الظروف هو بمثابة تحد للنسيان. يرون أن العالم ينظر إلى الفلسطينيين كأرقام مجردة، في حين أن وراء كل رقم حياة كاملة، تستحق الاحترام والتقدير. ويقدم الفيلم إنسانية فلسطين بأبعادها المختلفة.
القاهرة السينمائي: صدى للفيلم وتأثيره
يؤكد الأخوان ناصر أن مشاركة الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي تمثل تحدياً و فرصة مهمة في الوقت ذاته، خاصة وأن هذا الفيلم هو ثاني أعمالهما التي تعرض في القاهرة. ويشيران إلى أن مصر هي أم السينما العربية، ولذلك فإن ردود فعل الجمهور المصري تحمل وزناً خاصاً. ويعربان عن سعادتهما بردود الفعل الإيجابية التي تلقاها الفيلم من النقاد والجمهور، والتي تؤكد على أهمية رسالته وأثره في نفوس المشاهدين.
في الختام، يمثل فيلم “كان يا ما كان في غزة” إضافة قيمة للسينما الفلسطينية والعربية، فهو ليس مجرد عمل فني، بل هو صرخة احتجاج ضد الظلم والقهر، و تذكير دائم بأهمية القضية الفلسطينية وضرورة إيجاد حل عادل وشامل لها. إنه دعوة للتأمل في واقع الإنسان الغزي، والتضامن مع نضاله من أجل الحرية والكرامة. يمكن للجمهور البحث عن تفاصيل عرض فيلم السينما الفلسطينية هذا ومتابعة أعمال الأخوان ناصر لدعم هذا النوع من الفن الذي يساهم في إيصال صوت فلسطين إلى العالم.















