في عالم تتقاذفه النزاعات المسلحة والأزمات الجيوسياسية المتصاعدة، لم يعد التعليم مجرد حق أساسي، بل تحول إلى أداة حيوية لحماية الأطفال وبناء مستقبل أكثر استقرارًا. ففي خضم هذه الظروف الصعبة، يمثل التعليم صمام أمان، ووسيلة لاستعادة الكرامة والفاعلية للملايين من الأطفال المحرومين حول العالم. وتبرز مؤسسة “التعليم فوق الجميع” القطرية كلاعب رئيسي في هذا المجال، حيث تسعى جاهدة لضمان وصول التعليم إلى الفئات الأكثر ضعفًا وتهميشًا.
مؤسسة “التعليم فوق الجميع”: بصمة أمل في مناطق الأزمات
كشفت مؤسسة “التعليم فوق الجميع” عن وصول برامجها إلى 14.5 مليون طفل من المحرومين حول العالم، مؤكدة التزامها الراسخ بتقديم الدعم التعليمي في أصعب الظروف. وتؤمن المؤسسة بأن التعليم ليس مجرد اكتساب مهارات ومعرفة، بل هو عملية بناء شخصية، وتعزيز القدرة على الصمود والتكيف، وإعادة الأمل في مستقبل أفضل.
الجازي حسن درويش، مديرة إدارة الاتصال والمشاركة بالمؤسسة، أكدت في حوار خاص، على أن “التعليم يجب ألا يكون أبدًا ضحية للأزمات”. وأوضحت أن المؤسسة تنظر إلى التعليم كـ”خط الدفاع الأول”، حيث يوفر الاستقرار والدعم النفسي الضروريين للأطفال المتضررين من النزاعات والتهجير. كما يساهم في إعادة بناء حياتهم ويمنحهم الشعور بالانتظام والعودة إلى طبيعة الحياة قدر الإمكان.
التعليم كحماية: منع التجنيد والاستغلال
لا تقتصر أهمية التعليم في مناطق الأزمات على الجانب الأكاديمي فحسب، بل تتعداه إلى دوره المحوري في حماية الأطفال من المخاطر التي تهدد حياتهم. تشدد الجازي درويش على أن استمرارية التعليم هي الحصن الذي يمنع التجنيد القسري في الجماعات المسلحة، ويحد من ظاهرتي الزواج المبكر والاستغلال.
إذ يمنح التعليم الشباب المهارات اللازمة لإعادة بناء مجتمعاتهم المدمرة، ويوفر لهم فرصًا اقتصادية واجتماعية بديلة. وبالتالي، يصبح التعليم أداة فعالة لمكافحة التطرف العنيف وتعزيز السلام والاستقرار. بالإضافة إلى ذلك، يساهم التعليم في بناء مجتمعات أكثر وعيًا وحقوقية، قادرة على الدفاع عن حقوقها ومواجهة التحديات المستقبلية.
جرس إنذار: تراجع الدعم الدولي للتعليم
ورغم هذه الجهود المبذولة والإنجازات المحققة، دقّت الجازي درويش ناقوس الخطر بشأن تراجع المساعدات الإنمائية الرسمية المخصصة للتعليم. فقد انخفضت هذه المساعدات بنسبة 7.1% في عام 2024، وهو ما ينذر بتداعيات خطيرة على مستقبل التعليم في مناطق الأزمات.
وأشارت إلى أن حصة التعليم من إجمالي المساعدات تراجعت من 9.3% في عام 2019 إلى 7.6% في عام 2022، مما يعكس تحولًا في أولويات الدول المانحة. هذا الانخفاض يؤثر بشكل مباشر على جودة التعليم، حيث تضطر المنظمات إلى تقليص الموارد المتاحة، والتخلي عن الدعم النفسي، ومواجهة أزمة حادة في نقص المعلمين، خاصة في مناطق مثل اليمن والسودان وغزة.
غزة: إعادة الأمل من خلال التعليم
يشكل قطاع غزة حالة خاصة، نظرًا للحرب المدمرة التي شهدها على مدى العامين الماضيين. وفي هذا الصدد، أطلقت مؤسسة “التعليم فوق الجميع” خطة استجابة شاملة في ديسمبر 2023، تحت عنوان “إعادة الأمل”، بهدف دعم أكثر من 233 ألف فلسطيني.
لم تقتصر هذه الخطة على الدعم النفسي والإغاثي، بل امتدت إلى تمكين الكوادر المستقبلية، من خلال تخصيص 100 منحة دراسية في تخصصات حيوية مثل الطب والهندسة والتكنولوجيا. كما أطلقت المؤسسة المرحلة الثانية من مشروع “إعادة الأمل” في مايو 2025، والمخصصة لطلاب الثانوية العامة، حيث تستهدف 90 ألف طالب وطالبة من خلال إنشاء 100 مركز تعليمي مجهز بالكامل. هذا المشروع يهدف إلى ضمان استكمال الطلاب لمسيرتهم الأكاديمية، رغم الدمار الذي طال البنية التحتية التعليمية في القطاع.
تجاوز حدود الفصول الدراسية: تمكين اقتصادي ورعاية رقمية
تتجاوز رؤية المؤسسة نطاق الفصول الدراسية لتشمل آفاق العمل والمستقبل الرقمي. فمن خلال برامجها، ساهمت في التمكين الاقتصادي لأكثر من 3.3 مليون شاب، وقدم “برنامج قطر للمنح الدراسية” أكثر من 11.6 ألف منحة دراسية.
إدراكًا لأهمية مواجهة التحديات الرقمية، أطلقت المؤسسة منصة “ديجي-وايز” لتمكين اليافعين من التفكير النقدي ومواجهة التلاعب الرقمي والمعلومات المضللة. وبالتوازي مع ذلك، لم تغفل المؤسسة المناطق ذات الموارد المحدودة، حيث وفرت “بنك الموارد التعليمية المجانية” الذي يعمل دون الحاجة لتكنولوجيا معقدة في 15 دولة.
التمويل المشترك: نحو استدامة الدعم التعليمي
تعتمد مؤسسة “التعليم فوق الجميع” على نموذج “التمويل المشترك” بالتعاون مع البنك الدولي، والبنك الإسلامي للتنمية، ومنظمات الأمم المتحدة. وترى المؤسسة أن تقاسم المسؤولية المالية يجعل المشاريع أكثر استقرارًا وأقل عرضة للتقلبات السياسية.
وتؤكد الجازي درويش أن المطالبة بالشفافية والنزاهة في دعم التعليم لم تعد مجرد ترف، بل هي ضرورة حتمية لحماية العقل الجمعي للأجيال الجديدة من التزييف والضياع، وضمان مستقبل مشرق ومستدام للجميع. فاستثمارنا في التعليم اليوم هو حصادنا غدًا.















