قال المخرج والناقد السينمائي الفاروق عبد العزيز إن شغفه بالسينما بدأ منذ طفولته حين كان والده يصطحبه بانتظام لدور العرض، مشيرا إلى أن هذا الشغف شكل وعيه الثقافي وأسهم في تطور قدراته النقدية واللغوية.
واستعرض عبد العزيز مسيرته في حلقة جديدة من برنامج “المقابلة” أشار فيها إلى أن تفوقه الدراسي حال دون تحقيق حلمه في دراسة السينما، إذ أوصاه أحد أعضاء لجنة القبول بالاتجاه إلى تخصص أكاديمي آخر يناسب معدله المرتفع.
وأضاف الفاروق عبد العزيز أنه التحق بكلية التجارة في جامعة القاهرة، لكنه لم يجد شغفه هناك، فانتقل إلى كلية الآداب حيث تخصص في الأدب الإنجليزي، وهو ما أسهم في تعميق اهتمامه بالنقد السينمائي والترجمة.
وخلال دراسته الجامعية، انضم إلى المسرح الأكاديمي، وبدأ في ترجمة القصص المصورة “الكوميكس” لمجلات عالمية بنسختها العربية، مما فتح له أبواب العمل في الصحافة الثقافية بعد تخرجه.
وأشار إلى أن مسيرته المهنية انطلقت من النقد التشكيلي في الصحافة المصرية والإذاعة، إلى جانب مراسلة عدد من الصحف العربية، مما جعله جزءا من المشهد الثقافي النشط خلال عقدي الستينيات والسبعينيات.
لكنه تعرض لمضايقات رسمية بعد أن استضاف المخرج الكوبي الثوري توماس غوتيريس أليا في برنامجه الإذاعي، إذ وجّه الضيف انتقادات حادة للإمبريالية الأميركية، وهو ما دفع وزير الثقافة آنذاك يوسف السباعي إلى وقف البرنامج وحظر ظهور عبد العزيز إعلاميا.
النشأة والدراسة
وُلد عبد العزيز بمدينة المحلة الكبرى في محافظة الغربية بمصر عام 1946 في بيئة تجمع بين الطابعين الصناعي والريفي، وأسهم عمل والده في شركة مصر للغزل والنسيج في تكوين شخصيته، إذ تلقى تعليمه الابتدائي في مدارس نموذجية بُنيت لعمال الشركة، قبل أن ينتقل إلى التعليم النظامي ويبرز تفوقه الأكاديمي.
وأوضح أن شغفه بالقراءة بدأ منذ الطفولة، إذ اعتاد مطالعة الصحف والمجلات، مما منحه معرفة موسوعية في سن مبكرة، وهو ما انعكس لاحقًا على أسلوبه النقدي في الصحافة.
وأضاف أن تعلقه بالسينما لم يكن مجرد اهتمام ترفيهي، بل كان بمنزلة نافذة على العالم، إذ تعرّف من خلالها على تاريخ الحروب والثقافات المختلفة، وهو ما جعله يطمح لدراسة التمثيل، غير أن لجنة القبول في معهد السينما نصحته بعدم إضاعة مستقبله الأكاديمي في المجال الفني.
وكشف الفاروق عبد العزيز عن أن حبه للتمثيل قاده إلى تقديم عروض مسرحية في الحي الذي نشأ فيه، حيث كان يجمع الأطفال لعرض مسرحيات يؤديها بنفسه، قبل أن يحاول الالتحاق بمعهد السينما.
لكن بعد رفضه في اختبارات القبول، قرر التوجه إلى النقد والكتابة السينمائية، حيث انخرط في الفرق المسرحية الجامعية، وتولى أدوارا قيادية في المسرح الأكاديمي، مما ساعده لاحقًا على دخول عالم الصحافة والإذاعة.
الترجمة والصحافة
وتحدث عن تجربته في الترجمة قبل دخوله الجامعة، إذ عمل لدى مجلة “ميكي” الشهيرة، مشيرا إلى أن إتقانه للغة الإنجليزية جاء نتيجة مزيج من القراءة ومشاهدة الأفلام، إذ كان يقلد أبطال الأفلام الأجنبية حتى تمكن من استيعاب اللغة واستخدامها بطلاقة.
وفي حديثه عن مسيرته الصحفية، أوضح أنه عمل ناقدا سينمائيا ومترجما ومراسلا ثقافيا لعدة مجلات، كما انضم إلى مجلة “الطليعة”، التي كانت محسوبة على التيار اليساري، وهو ما جعله يصنَّف لاحقا على أنه شيوعي رغم أنه لم ينتم إلى أي حزب.
وأضاف أن عمله في الصحافة السينمائية، إلى جانب ارتباطه بنادي السينما المصري، جعله هدفا للرقابة، خاصة بعد تقديمه برامج نقدية في التلفزيون والإذاعة، حيث اتخذت السلطات قرارًا بإقصائه عن المشهد الإعلامي.
وفي سرد لمسيرته بعد مغادرته مصر، أوضح عبد العزيز أنه سافر إلى العراق لحضور مهرجان بغداد للأفلام الفلسطينية عام 1976، ومن هناك توجه إلى الكويت، حيث التقى الإعلامي محمد السنعوسي، الذي عرض عليه إدارة نادي السينما الكويتي.
بيئة منفتحة
وأكد أنه وجد في الكويت بيئة ثقافية منفتحة، سمحت له بتنظيم أكثر من 60 مهرجانا سينمائيا بين عامي 1977 و1992، إضافة إلى تقديمه برنامجا نقديا استمر 15 عامًا، وساهم في نشر الثقافة السينمائية في الخليج.
وأشار إلى أنه رغم محاولته تجنب العمل التلفزيوني، فإنه اضطر إلى تقديم برنامج “نادي السينما” بعد إلحاح المسؤولين، مؤكدا أنه حرص على تقديم مادة نقدية دقيقة لا يمكن الطعن في مصداقيتها، وهو ما جعله يحظى بجمهور واسع في الكويت وخارجها.
وفي حديثه عن السينما في الكويت قبل الغزو العراقي عام 1990 وبعده، أوضح أن المشهد الثقافي تغير جذريا بعد الحرب، حيث رحل كثير من المثقفين العرب، مما أثر على النشاط السينمائي والثقافي.
وأضاف أن اهتمامه بالسينما لم يتوقف عند النقد، بل امتد إلى الإنتاج والإخراج، فلقد قدّم أعمالا وثائقية، من بينها فيلم “مرحبا” عن تركيا، إضافة إلى تعاونه مع التلفزيون الياباني لإنتاج النسخة الدولية من مسلسل “طريق الحرير”.
ويشدد عبد العزيز على أن السينما ليست مجرد وسيلة ترفيهية، بل أداة ثقافية وسياسية تعكس هوية المجتمعات، مؤكدا أهمية النقد السينمائي في تشكيل وعي الجمهور وتعزيز الذائقة الفنية.