افتتح المركز الثقافي التركي في القدس مؤخرًا معرضًا فنيًا مؤثرًا للفنانة الفلسطينية سندس الرجبي، حاملًا عنوان “بين الماء والطين”. يستكشف المعرض، الذي لاقى استحسانًا واسعًا من رواد الفن والثقافة، موضوعًا عميقًا يتردد صداه في الوجدان الفلسطيني: القرى الفلسطينية المهجرة وتجذير الإنسان في أرضه. يمثل هذا الحدث الثقافي فرصة ثمينة لتوثيق الذاكرة الجماعية وإعادة إحياء حكايات تلك القرى التي دُمرت خلال النكبة.

معرض “بين الماء والطين”: رحلة فنية في ذاكرة الوطن

المعرض، الذي استمر حتى تاريخه الأخير، لم يكن مجرد عرضًا للأعمال الفنية، بل كان بمثابة شهادة حية على تاريخ الشعب الفلسطيني وصموده. تميزت أعمال الفنانة سندس الرجبي بمزج فريد بين الألوان المائية وأعمال السيراميك، بالإضافة إلى استخدام تقنيات مبتكرة كطباعة أوراق النباتات على الطين، لخلق تجربة بصرية تحاكي العلاقة العميقة بين الإنسان والأرض.

إلهام من أرض الجذور

استمدت الفنانة الرجبي إلهامها مباشرة من القرى المقدسية المهجرة، حيث سعت من خلال أعمالها إلى استحضار ذكريات تلك القرى وتخليدها. لم تقتصر أعمالها على تصوير المناظر الطبيعية، بل تجاوزت ذلك إلى تجسيد الحياة اليومية والتفاصيل الصغيرة التي كانت تميز تلك المجتمعات قبل التهجير القسري. وهذا التوثيق البصري للذاكرة، كما أشارت المنظمة، يحمل قيمة تاريخية وثقافية كبيرة.

توثيق الوجد والعلاقة بالأرض

يركز المعرض بشكل خاص على توثيق الأثر الوجداني والعميق للتهجير على الفلسطينيين. من خلال استخدامها المبتكر للمواد، تمكنت الفنانة الرجبي من إيصال شعور بالحنين والاشتياق إلى الوطن، وكذلك الإحساس بالظلم والمعاناة التي عاشها الفلسطينيون. الأعمال لا تقدم سردًا تاريخيًا جافًا، بل تخلق مساحة للتأمل والتعاطف مع تجربة النكبة الفلسطينية.

دلالات الرموز المستخدمة

استخدمت الفنانة الرجبي الرموز بشكل بارز في أعمالها، حيث يمثل الماء الحياة والتجدد، بينما يرمز الطين إلى الأرض والأصل. إن الجمع بين هذين العنصرين، بالإضافة إلى استخدام النباتات كرمز للنمو والصمود، يخلق لغة فنية قوية ومؤثرة تتجاوز الحواجز اللغوية والثقافية. وتهدف هذه الرموز إلى إثارة النقاش وتعميق فهم الجمهور لمعاني المعرض.

أهمية المركز الثقافي التركي في دعم الفن الفلسطيني

يلعب المركز الثقافي التركي في القدس دورًا حيويًا في دعم الفن والثقافة الفلسطينية، من خلال توفير منصة للفنانين لعرض أعمالهم والتواصل مع الجمهور. واستضاف المركز العديد من المعارض والفعاليات الثقافية التي ساهمت في إبراز الإبداع الفلسطيني وتعزيز الهوية الوطنية. كما يقدم المركز برامج تعليمية وتدريبية للفنانين الشباب، مما يساعد على تطوير مهاراتهم وتشجيعهم على الاستمرار في مسيرتهم الفنية.

تعزيز الحوار الثقافي

إن استضافة معارض فنية فلسطينية في القدس، مثل معرض سندس الرجبي، تعتبر خطوة مهمة في تعزيز الحوار الثقافي والتفاهم بين الشعوب. كما أنه يساهم في لفت الانتباه إلى القضية الفلسطينية وإيصال صوت الفلسطينيين إلى العالم. يؤكد المركز الثقافي التركي بذلك على التزامه بدعم الثقافة الفلسطينية والحفاظ على التراث الوطني.

صدى المعرض وتأثيره على الزوار

تركت أعمال الفنانة الرجبي أثرًا عميقًا في نفوس الزوار، الذين عبروا عن تقديرهم للرسالة الفنية المؤثرة التي حملها المعرض. العديد من الزوار أعربوا عن شعورهم بالحزن والأسى على ما فقدوه الفلسطينيون خلال النكبة، بينما أشاد آخرون بقدرة الفنانة على تحويل الألم والمعاناة إلى أعمال فنية جميلة ومعبرة. وقد أثار المعرض نقاشًا واسعًا حول أهمية التوثيق الثقافي وتخليد الذاكرة الجماعية.

الخلاصة: ذاكرة لا تموت

إن معرض “بين الماء والطين” للفنانة سندس الرجبي يمثل إضافة قيمة إلى المشهد الفني والثقافي الفلسطيني، ويثبت مرة أخرى أن الفن يمكن أن يكون أداة قوية للتعبير عن الهوية الوطنية وتوثيق التاريخ. من خلال أعمالها المبتكرة والمؤثرة، تمكنت الفنانة الرجبي من إحياء ذكرى القرى الفلسطينية المهجرة وإعادة ربط الفلسطينيين بجذورهم. هذا المعرض ليس مجرد حدث فني عابر، بل هو شهادة حية على الصمود والإصرار على الحياة، وتذكير دائم بالحق في العودة والعيش بكرامة في أرض الوطن. ندعوكم لزيارة المركز الثقافي التركي في القدس ومتابعة أخباره للاطلاع على المزيد من الفعاليات الثقافية التي تساهم في دعم الفن الفلسطيني وتعزيز الهوية الوطنية.

شاركها.
اترك تعليقاً