عرف الجاحظ بمؤلفاته التي تتميز بالبراعة في التعبير وسحر اللغة في الأسلوب وإثارة التشويق والسخرية، فما فلسفته للعقاب والثواب؟ وكيف وصف الشاعر أبو ريشة خجل النساء؟

في هذا السياق، سلط برنامج “تأملات” 2023/8/22 الضوء على فلسفة الجاحظ للعقاب والثواب، إذ قال في أحد كتاباته “ومن عاقب على الصغير بعقوبة الكبير، وعلى الهفوة بعقوبة الإصرار، وعلى الخطأ بعقوبة العمد، وعلى معصية المتستّر بعقوبة معصية المُعلِن، ومن لم يفرّق بين الأعالي والأسافل، وبين الأقاصي والأداني عاقب على الزنى بعقوبة السَّرق، وعلى القتل بعقوبة القذف. ومن خرج إلى ذلك في باب العقاب، خرج إلى مثله في باب الثواب. ومن خرج من جميع الأوزان وخالف جميع التعديل، كان بغاية العقاب أحقَّ، وبه أولى”.

ويقصد الجاحظ بذلك أنه لكل فعل عقاب يناسبه بما يتماشى مع الظروف المحيطة به، فلا يمكن أن يتخذ المرء من الأخطاء الإنسانية قواعد رياضية يعاقب عليها بدون مراعاة للظروف الخاصة بكل حالة، وذلك حتى لا يكون هناك ظلم في العقاب وردع يفتح باب الإصلاح.

خجل المرأة وجمالها

وفي سياق متصل، تابع البرنامج رؤية الشاعر السوري عمر أبو ريشة الذي وصف المرأة بأنها بريئة لدرجة أنها لا تعرف كيفية التعبير عن خجلها رغم أنه لا ينتمي لشعراء الحداثة ولا يزعم بأن الخجل نتيجة مجتمعية في المرأة.

وكان أبو ريشة يرى في المرأة من البراءة والطهارة ما يجعلها غير قادرة على إظهار خجلها، ومما قاله في وصف خجل المرأة:

ألفيتها ساهمة           شاردة تأمّلا

ناديتها، فالتفتت        جيدا، وشعرا مرسلا

فما انثنت حائرة       ولا رنت تدلّلا

ولا درت وجنتها      من خجل تبدّلا

كأنّها في طهرها      أطهر مِن أن تخجلا

أما عن حياة الشاعر أبو ريشة، فيذكر أنه كان سفيرا لسوريا في عدة بلاد في أقصى الغرب وأقصى الشرق. وعندما كان في أواسط الـ30 من العمر، كان له نشاط سياسي في زمن الاستعمار الفرنسي ضمن الكتلة الوطنية، وأحيانا منشقا عنها، ولكنه كان دائما يبقى ضمن الإطار الوطني المناهض للاستعمار.

ونظرا لتراكماته في هذه الفترة، كان من الطبيعي أن يكون مرشحا لمنصب سياسي في سوريا، إلا أن إتقانه للغة الإنجليزية لكونه درس في بريطانيا في مطلع شبابه؛ جعله مؤهلا ليمثل بلاده بعيدا عن الشام.

ويذكر أن أبو ريشة كان من شباب الكتلة الوطنية التي يتزعمها ابن مدينته حلب، سعد الله الجابري، وكان ضمن “الشباب الوطني” الذراعِ الشبابية للكتلة الوطنية، وانشق الشباب الوطني بعد توقيع الكتلة على معاهدة مع الفرنسيين. وأطلق أبو ريشة لسانه في الجابري منتقدا.

وبعد انسحاب آخر جندي فرنسي من سوريا كان الجابري رئيسا للوزراء، ولم تمض سنة على الاستقلال حتى توفي. فرثاه عمر أبو ريشة مذكِّرا بالخلاف القديم، وكان اعتذارا شامخا للراحل، جاء في ثوب الرثاء، وقال فيه:

حملَ الجرح صامتا مطمئنا        وأتى ربَّه على ميعاد

أنا يا سعدُ ما طَويتُ على اللؤمِ   جناحي ولا جرحتُ اعتقادي

شهد اللهُ ما انتقدتك إلَّا             طمعا أن أراك فوق انتقادي

وكفى المرء رفعة أن يُعادى      في ميادين مجده ويعادي.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.