أصدرت الدكتورة حصة بنت زيد المفرّح كتابها الأحدث «تخوم الإنسان: سرديات عربية من عوالم ما بعد الإنسانية»، وناقشت فيه إعادة تشكيل الإنسان في أزمنة التقنية، بوصفه كياناً قابلاً للتعديل، أو التحويل، وكيف تسللت الأفكار إلى بنية السرد نفسه، وإلى السرديات العربية خصوصاً تلك التي بدأت تقترب من تخوم الإنسان، وتختبر حدوده المادية والمعنوية ضمن ما يعرف بـ«أدب ما بعد الإنسانية».

وأوضحت أن تخوم الإنسان تفيد الحدود التي تُعرف الإنسان بيولوجياً، ونفسياً، ومعرفياً لتشمل: الوعي، والجسد، والأخلاق، والهوية من جهة، وتلك الحدود التي تنهار فيها الإنسانية الخالصة مع تقنيات ما بعد الإنسانية، وتتفكك فيها الهوية البشرية، وتتشكل من جديد على مرافئ التقنية، والذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والذاكرة الرقمية، والمشاعر الصناعية، والنسخ المتشابهة من جهة ثانية، ما يشير إلى الثابت والمتحول وما بينهما، بين ما كان إنساناً خالصاً، وما سيكون هجيناً، أو مشفراً، أو مستنسخاً.

وينطلق من استشراف التحول السردي بالاستفادة من مفهوم (التخوم)، لا بوصفه حداً جامداً، بل منطقة عبور إلى انزياحات الكائن البشري، في ظل ملامسة السرد العربي هذه التخوم، لتختبر العوالم ما بعد الإنسانية في عددٍ من الأعمال الروائية والقصصية التي تعيد تشكيل الإنسان في زمن لم يعد فيه الجسد، ومعه الهوية، والذاكرة ملكاً خاصاً، وجنح إلى استيعاب منظومات ما بعد الإنسانية سردياً وجمالياً؛ ما يعكس وعياً متقدماً بتحديات العالم المستقبلي المتخيل.

ويقف الكتاب على نصوص سردية عربية هي: حرب الكلب الثانية 2016، المسخ: عودة سفينة نوح 2018، قلب الملاك الآلي 2019، الرحلة رقم 370، 2019، البراني 2021، شفرات القيامة 2021، رف اليوم «ما لم يستطع السيد الحصول عليه» 2022، جزيرة المطففين 2022، المرقش: حالت قرى نجران دون لقائها 2023، متنزه الغائبين 2024.

وجميع النصوص السردية العربية، محل الدراسة؛ صدرت منذ منتصف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، وكان بداية واضحة لتفاعل الرواية العربية والأعمال القصصية مع ما بعد الإنسانية، مع تزايد الاهتمام بقضاياها في الأعوام الأخيرة. وإن كانت مسبوقة بتجارب أخرى تدخل في إطار الخيال العلمي، لكنها لا تكرس اهتمامها بعوالم ما بعد الإنسانية بوصفها نقطة التحول الجديدة، والمتوقعة في المستقبل القريب أو البعيد.

وتلتقط الأعمال السردية التحولات لتقدمها بأساليب جمالية، وفكرية جديدة؛ لتؤسس للعلاقة بين الديستوبيا، والخيال العلمي، وما بعد الإنسانية، واستشراف المستقبل دون أن تفصلها عن مخاوف الإنسان الواقعية. ولعل هذه المقاربات تسهم في فتح حوار نقدي عربي مع الأدب العالمي، وتمنح هذه النصوص موقعها ضمن تحولات الوعي الإنساني الجديد.

جاء الكتاب الصادر عن دار عصور في عمّان، في أربعة فصول، وطرحت أسئلة، منها: كيف يعيد سرد ما بعد الإنسانية العربي مفهوم الهوية في النصوص السردية؟ وإلى أي مدى تتماهى الشخصيات السردية مع التقنية الحديثة، وإلى أي حد تقاوم النظام التقني؟ وما علاقة هذه السرديات بمفاهيم ما بعد الحداثة؟ وكيف توظف الاستعارات الجسدية (الشرائح الذكية، الذاكرة المبرمجة، الأطراف الاصطناعية، الأعضاء المصنوعة) في بناء رؤى فلسفية وفكرية مختلفة؟ وكيف تطور السرد العربي لمواجهة سؤال: ما الذي بقي من الإنسان؟.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
اترك تعليقاً