تشهد الساحة الفنية في الآونة الأخيرة موجة من إعادة تقديم الأعمال الفنية الكلاسيكية، سواء من خلال مسلسلات مقتبسة أو أجزاء جديدة لأفلام ناجحة.

في رمضان المقبل، تعود غادة عبد الرازق من خلال مسلسل “شباب امرأة”، وتعيد من خلاله الفيلم الذي تم تقديمه عام 1956، بينما يقدم محمد عادل إمام جزءًا جديدًا من فيلم “شمس الزناتي”، الذي قدمه والده عادل إمام في أوائل التسعينيات من القرن الماضي.

وقرر الممثل الكوميدي هشام ماجد إعادة تقديم فيلم “البحث عن فضيحة”، وهو أولى بطولات عادل إمام المطلقة عام 1973.

التوجه إلى إعادة الأعمال التي حققت رواجا ونجاحا كبيرا وارتبطت في أذهان الجمهور بأبطالها الأصليين يطرح العديد من التساؤلات: هل الأمر استغلال لهذا النجاح أم محاولة تقديمها برؤية معاصرة تناسب الأجيال الحالية؟ وهل يعكس ذلك أزمة أفكار في صناعة السينما والدراما، أم أنه تكريم لأعمال أيقونية؟

اعتبر الناقد السينمائي رامي عبد الرازق أن الأمر هو “التمسح في الماضي”، بحسب تعبيره، من خلال تقديم أعمال وشخصيات أيقونية، وهو انعكاس لعدم الثقة في تقديم شخصيات أو أعمال جديدة بنفس الدرجة من القوة و الأيقونية، إلى جانب كونه استسهالًا في الدعاية والتسويق المجاني.

وتحقق هذه الأعمال “تريندا”، وجزءا من التسويق هو بالتأكيد أن يقدم محمد عادل إمام شخصية سبق لوالده تقديمها، أو هشام ماجد يعيد دورًا سبق وقدمه عادل إمام، وغادة عبد الرازق تجسد شخصية لعبتها تحية كاريوكا.

ويضيف عبد الرازق، في تصريحاته لـ”الجزيرة نت”، أن إعادة الأعمال موجودة في العالم، وحتى في أميركا يتم إعادة الأعمال لكن بمعالجة وقراءة مختلفتين، لكن في مصر يميل الصناع إلى تقديم هذه الأعمال بشكل مستفز، أو بعيدًا عن “الطزاجة” والتعب والجهد الكافي.

إلى جانب عدم وجود أسباب حقيقية لإعادة التقديم دون رؤية أو معالجة تقدمها في سياقها في الوقت الحالي، وقراءة للواقع الحالي من خلال حكاية تصلح في كل زمان ومكان. وهذا لا يعيب العمل الأصلي، لكنه يعيب اللحظة التي نقدم فيها هذه الأعمال والبحث في الدفاتر القديمة، واختيار أعمال أيقونية.

وتابع: “أنا ضد الإعادة، إلا إذا كانت ستعيد اكتشاف أعمال لم تأخذ حقها ولم تُقرأ بالشكل الكافي في وقتها، فمن الممكن أن تقدم بشكل مختلف. تراثنا السينمائي مليء بأعمال تستحق، لكن لا يوجد من يفكر ويبحث”، فحتى لو لم تكن المقارنة في صالح العمل، لكنه سيحقق نسب مشاهدة، وهو المطلوب”.

وأكمل حديثه بأن فيلم “شباب امرأة” تم تقديمه سينمائيا في البداية، ثم عُمل روائيا، فهو عمل بظروف خاصة جدا، وإعادة تقديمه تحتاج إلى قرار متأنٍ وتحضيرات كبيرة.

أما “البحث عن فضيحة”، فهو مقتبس من عمل أجنبي، وحتى “شمس الزناتي” هو أيضًا مقتبس عن “العظماء السبعة”. وفي مسلسل “الكبير أوي”، قدموا محاكاة ومشاهد بارودي عن الفيلم، وحققت نجاحا كبيرا.

وعن تقديم غادة عبد الرازق لـ”شباب امرأة” ومحمد عادل إمام لـ”شمس الزناتي”، يقول: “الحالتان تحديدا استسهال، خاصة أن غادة حققت نجاحها من خلال أعمال كانت أصلية، مثل “مع سبق الإصرار”، و”حكاية حياة”، و”زهرة وأزواجها الخمسة”، حتى وإن تشابهت مع أعمال أجنبية، لكنها لم تكن إعادة إنتاج، وبالتالي كان من الأولى أن تقدم عملا أصيلا بنفس درجة القوة، بدلا من تجسيد دور نجحت تحية كاريوكا من خلاله”.

والأمر نفسه مع محمد عادل إمام، الذي هو متحقق سينمائيا أكثر من الدراما، لكنه قرر أن يسير على خطى من يتهمونه بتقليد والده، على الرغم من أنه كان من الأفضل أن يقلد تجربة عادل إمام، وهي تجربة تُدرَّس لفنان عمل مع كبار الفنانين في بداياته، ثم انتقل إلى الثنائيات، وبعد حصوله على البطولة غيّر جلده وقدم الأعمال التراجيدية و”الأكشن”، وخلق مساحات قدمت موهبته وخبراته كممثل.

واعتبر الناقد المصري أن مثل هذه التجارب تتسبب في إحباط وإغلاق الباب أمام مبدعين قد تكون لديهم معالجات مهمة وجادة بالفعل لأعمال سبق تقديمها، وبالتالي بعد فشل مثل هذه الأعمال يصبح الأمر حساسًا.

لكن ما يحدث يناسب المشهد الإبداعي الحالي، وهو مشهد ركيك وباهت على كل المستويات، من الأفكار إلى الدعاية والتسويق، فلا يوجد منتج مبدع، أو كُتاب ذوو ثقافة، والواقع لا يسمح بحالة الإبداع.

استعادة نجاح

أما الناقدة أمنية عادل، فمن وجهة نظرها، ترى أن الإعادة قد تكون لصالح العمل الأصلي، فهناك جيل جديد لا يعرف هذه الأعمال الكلاسيكية، وحينما يسمع “إفيها” أو يشاهد مشهدًا لا يكون هناك أي تواصل حقيقي، وبالتالي حين تقدم له هذه الأعمال، حتى لو لم تحقق نفس حالة النجاح، فإنها ستعطيه فرصة ليتعرف على النسخ القديمة، ويشاهدها ويعرفها.

وتابعت في حديثها لـ”الجزيرة نت”: “اللافت والمهم هنا أن المنتج لن يغامر بأمواله إلا إذا كان هناك مكسب حقيقي. وهنا أعني أنه من المستحيل ألا يكون هناك نسبة نجاح، رغم أن هذه الأعمال مرهونة في ذهن المشاهد بالنسخ الأصلية”.

لكن، من وجهة نظرها، تكمن المشكلة في التعامل مع الأعمال القديمة على اعتبار أنها من النصوص المقدسة أثناء تقديمها في المعالجة الجديدة. كما أن صناع النسخ الحديثة في مأزق: إما أن يقدموا عملا يعادل نفس النجاح أو أكبر، وإذا لم يكن على نفس المستوى، ستلصق بهم تهم مثل تشويه العمل القديم، أو أنهم ليسوا بالقدر الكافي من المسؤولية.

فحين قُدم مسلسل “الزوجة الثانية” عن الفيلم الذي سبق تقديمه في ستينيات القرن الماضي، على الرغم من أن المسلسل لم يكن به مشاكل عملاقة، ظلت هناك مقارنة واستعادة للمشاهد القديمة. والأمر نفسه تكرر حين قرر المخرج حسين كمال إعادة بعض أعماله، مثل “نحن لا نزرع الشوك”.

فيلم الزوجة الثانية

إعادة أي عمل يجب أن تكون لها معطيات ومعالجة مختلفة، وتقديم النص بشكل يناسب الوقت الراهن. وتابعت: “كل الأعمال السابقة مرتبطة بلحظات تاريخية قديمة ولحظات زمنية مختلفة، وأعتقد أن “البحث عن فضيحة”، إذا تم تقديمه مع التفاصيل المعاصرة، ربما يقدم تجربة جيدة، لأن هناك تفاصيل مختلفة بالفعل. لكن علينا أن ننتظر ونشاهد هذه الأفلام أولًا”.

وذكرت الناقدة المصرية أن هناك نماذج لأفلام كثيرة استغلت نجاح أفلام قديمة. الفنان فريد شوقي قدم في ثمانينيات القرن الماضي جزءًا ثانيًا من فيلمه “رصيف نمرة خمسة” (1956) بعنوان “وحوش المينا”، وهو استغلال رصيد الحب للفيلم القديم الشهير.

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.