إقليم السند يشهد ارتفاعًا مقلقًا في زواج الأطفال، مدفوعًا بالفقر وتداعيات الكوارث الطبيعية. آسفة، الفتاة التي لم تتجاوز الثالثة عشرة من عمرها عندما أخبرتها عائلتها بزواجها، ليست وحدها. قصص مماثلة تتكرر في القرى النائية بإقليم السند جنوب شرق باكستان، حيث تزداد هذه الظاهرة خطورة مع تفاقم الأزمات الاقتصادية والمناخية.

الفيضانات واليأس: وقود لـ زواج الأطفال في السند

كانت الشمس تغرب على قرية خان محمد ملاح الصغيرة، التي تضم 250 عائلة، عندما تلقّت آسفة هذا الخبر الصادم. تتذكر آسفة بوضوح رائحة العشب الجاف التي حملتها الريح، وعجزها عن فهم ما يحدث. في البداية، راودتها أحلام بالملابس الجديدة والمجوهرات، لكن سرعان ما أدركت أن الزواج يعني فقدان طفولتها وحريتها. اليوم، آسفة أم لطفل رضيع، بالكاد تبلغ من العمر 15 عامًا، وتعيش في منزل طيني متصدع، شاهدًا على واقع مرير.

لم يكن قرار عائلتها بتزويجها نابعًا من التقاليد، بل من يأس عميق. فقد تسببت الفيضانات الكارثية التي اجتاحت باكستان عام 2022 في تدمير محاصيل الأرز والخضروات التي كانت تعتمد عليها عائلتها لأجيال. تبددت مدخراتهم، وأصبح البقاء على قيد الحياة مستحيلاً. في ظل وجود ثلاثة أطفال آخرين، لم يجد والداها خيارًا سوى تزويج ابنتهم لتخفيف العبء المالي.

مجتمع مثقل بالجراح: ارتفاع حالات الزواج المبكر

في قرية خان محمد ملاح، حيث الزراعة وصيد الأسماك وتربية الماشية هي مصادر الدخل الرئيسية، أصبحت تجربة آسفة مألوفة. لقد تركت فيضانات عام 2022 ندوبًا عميقة في المجتمع، مما أدى إلى فقر مدقع وتزايد حالات زواج الأطفال. سُجلت 45 حالة زواج لأطفال دون سن 18 عامًا في هذه القرية وحدها خلال العام الماضي، وفقًا لمنظمة سوجاغ سانسار، وهي منظمة غير حكومية تعمل على مكافحة هذه الظاهرة.

يؤكد ماشوق برهماني، مؤسس سوجاغ سانسار، أن هذه ليست مجرد مسألة تقاليد. فقد حدد قانون تقييد زواج الأطفال الباكستاني لعام 1929 السن القانونية للزواج بـ 18 عامًا للفتيان و16 عامًا للفتيات، وتم تعديل هذا القانون في إقليم السند لرفع الحد الأدنى للسن إلى 18 عامًا لكل من الجنسين. ويعتقد برهماني أن ارتفاع نسبة زواج الأطفال مرتبط بشكل مباشر بالفيضانات، وأن العديد من هذه الزيجات تم ترتيبها تحسبًا للضرر الذي كانت ستسببه الأمطار الغزيرة.

تغير المناخ و “عرائس الرياح الموسمية”

تفاقم آثار تغير المناخ في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت الأمطار الموسمية أكثر تقلبًا وشدة، مما أدى إلى تدمير الأراضي الزراعية وزيادة نقص الغذاء. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تسريع ذوبان الأنهار الجليدية، مما يزيد من خطر الفيضانات. هذه العوامل مجتمعة أدت إلى ظهور ما يُعرف بـ “عرائس الرياح الموسمية”، وهي الفتيات اللاتي يتم تزويجهن في أعقاب الكوارث الطبيعية.

على الرغم من عدم وجود دراسات رسمية حول هذه الظاهرة، تشير الأدلة المتناقلة إلى أن زواج الأطفال أصبح أكثر انتشارًا في جميع أنحاء باكستان. ويُعتقد أن ما يقرب من ربع الفتيات في إقليم السند يتزوجن قبل سن 18 عامًا. وتشير تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إلى أن باكستان موطن لما يقرب من 19 مليون عروس طفلة، وأن فيضانات عام 2022 قد تقضي على التقدم الذي تم إحرازه في الحد من هذه الممارسة.

جهود مجتمعية لمواجهة الأزمة

أطلقت منظمة سوجاغ سانسار العديد من المبادرات المجتمعية لمعالجة الأسباب الجذرية لـ زواج الأطفال. ويوضح برهماني أنهم يتواصلون مع الزعماء الدينيين والمعلمين والآباء والفتيات الصغيرات لإنشاء شبكات دعم ومقاومة. كما ينظمون عروضًا مسرحية وموسيقية مجتمعية لرفع الوعي وتشجيع الحوار حول هذه القضية.

وتؤكد المنظمة على أهمية التعليم في تمكين الفتيات وكسر حلقة الزواج المبكر. فالفتيات المتعلمات أكثر قدرة على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن حياتهن ومستقبلهن. كما تقدم سوجاغ سانسار تدريبًا مهنيًا للنساء والفتيات لمساعدتهن على تحقيق الاستقلال المالي.

أمل هش في مستقبل أفضل

على الرغم من التحديات الكبيرة، لا تزال هناك بصيص من الأمل. فقد أمر وزير السند بإجراء تحقيق في حالات الزواج المبكر المبلغ عنها في قرية خان محمد ملاح، مما يشير إلى أن الحكومة تولي هذه القضية اهتمامًا متزايدًا. كما أن جهود المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني تساهم في رفع الوعي وتغيير المواقف تجاه زواج الأطفال.

سامينا، الأم الشابة التي تزوجت وهي طفلة، تبتسم الآن بشعور متجدد بالأمل. إنها تأخذ دورات في الحرف اليدوية وتخطط لبدء عملها الخاص. وتعقد العزم على ألا تواجه بناتها نفس المصير. تقول: “سأتأكد من تعليمهن، حتى يتمكنّ من الهروب من الجحيم الذي عانيته”. هذا الأمل الهش هو ما يدفع الكثيرين في إقليم السند إلى مواصلة النضال من أجل مستقبل أفضل لأطفالهم.

شاركها.
اترك تعليقاً