في عام 2025، شهدت السينما العربية ازدهارًا ملحوظًا، حيث قدمت صالات العرض والمهرجانات الدولية مجموعة متنوعة من الأفلام التي جمعت بين الإبداع الفني والعمق السردي. هذه الأعمال لم تكتفِ بعرض قصص مؤثرة، بل طرحت أيضًا قضايا اجتماعية وسياسية وثقافية مهمة، مما جعلها محط أنظار النقاد والجمهور على حد سواء. نستعرض هنا أبرز 5 أفلام عربية في 2025، والرحلات السينمائية التي خاضتها بين المهرجانات العالمية.
“يونان”: رحلة في أعماق النفس البشرية
من إخراج وتأليف أمير فخر الدين، يأتي فيلم “يونان” كإنتاج مشترك يجمع بين عدة دول. حظي الفيلم بعرضه الأول في مهرجان برلين السينمائي الدولي بدورته الخامسة والسبعين ضمن المسابقة الرسمية، ليحظى بإشادة واسعة من النقاد. بعد برلين، شارك الفيلم في العديد من المهرجانات السينمائية، وتُوّج بجائزة النقاد العرب لأفضل فيلم عربي.
تدور أحداث الفيلم حول منير (جورج خباز)، كاتب عربي يعيش في أوروبا، يقرر الانعزال التام في جزيرة نائية في بحر الشمال، في محاولة لمواجهة اكتئابه وأفكاره الانتحارية. يلتقي منير بامرأة عجوز أوروبية تدير بيت ضيافة بمساعدة ابنها، وتبدأ بينهما علاقة رعاية متبادلة تتجاوز حواجز اللغة والثقافة، وتساعد منير على استعادة رغبته في الحياة.
يستكشف الفيلم ببراعة مشاعر الغربة والحنين للوطن، والألم النفسي، والشعور بالضياع، وكيف يمكن تحويل هذه المشاعر السلبية إلى قوة دافعة للتأمل في الهوية والانتماء والبحث عن الخلاص الذاتي. يعتبر “يونان” من أهم الأفلام العربية التي قدمت رؤية إنسانية عميقة.
“ثريا حبي”: ذاكرة الحب والفقد
فيلم “ثريا حبي” للمخرج نيكولا خوري هو فيلم وثائقي لبناني قطري، قدم عرضه العالمي الأول في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته السادسة والأربعين، حيث فاز بجائزة أفضل فيلم وثائقي.
يأخذ الفيلم المشاهدين في رحلة مؤثرة داخل ذاكرة الفنانة ثريا بغدادي، مسترجعًا علاقتها بزوجها المخرج الراحل مارون بغدادي بعد مرور ما يقارب الثلاثة عقود على رحيله. يقدم الفيلم رؤية حميمية عن الحب والفقد والذاكرة، من خلال الأرشيف الشخصي لثريا وزوجها، ومقابلات أجراها نيكولا خوري مع ثريا، بالإضافة إلى لقطات من فيلم “حروب صغيرة” (1982)، الفيلم الأول لهما معًا.
لا يقتصر الفيلم على سرد سيرة ثريا وزوجها، بل يتعمق في علاقة ثريا بالعالم بعد رحيل زوجها، ليقدم تأملًا عميقًا في الحداد، والهوية، والمعاناة، والذاكرة، ليصبح تجربة شخصية وإنسانية مؤثرة. هذا الفيلم الوثائقي يمثل إضافة قيمة إلى السينما العربية الحديثة.
“كان ياما كان في غزة”: واقع معقد بلا صور نمطية
فيلم “كان ياما كان في غزة” من إخراج عرب وطرزان ناصر (التوأمان ناصر)، وهو إنتاج مشترك بين عدة دول. حظي الفيلم بعرضه العالمي الأول في مهرجان كان السينمائي الدولي ضمن قسم “نظرة ما”، وفاز بجائزة أفضل إخراج. لاحقًا، عُرض الفيلم في العديد من المهرجانات السينمائية، وفاز بجائزة أفضل فيلم عربي طويل في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
تدور أحداث الفيلم في غزة عام 2007، حيث تتغير حياة الشاب يحيى (نادر عبد الحي) عند لقائه بأسامة (مجد عيد)، صاحب مطعم فلافل، ويبدآن معًا تجارة المخدرات. تتورط حياة يحيى في سلسلة من الأحداث المعقدة بعد تورط أسامة مع شرطي فاسد.
يتناول الفيلم قصص الصداقة، والضياع، والأحلام المحطمة في سياق واقع غزة المعقد، ويعرض غزة كما هي، بكل ضغوطها وفقرها وأحداثها الجسيمة، دون اللجوء إلى الصور النمطية أو التجميل. يعتبر هذا الفيلم من أبرز أفلام عربية تناولت القضية الفلسطينية بصدق وشجاعة.
“زنقة مالقا”: صراع بين الجذور والهوية
فيلم “زنقة مالقا” من إخراج مريم التوزاني، في أولى تجاربها الإخراجية باللغة الإسبانية، وتأليفها بالتعاون مع نبيل عيوش. شهد الفيلم عرضه العالمي الأول ضمن قسم Venice Spotlight في الدورة الثانية والثمانين لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، حيث فاز بجائزة الجمهور. كما عُرض في مهرجان القاهرة السينمائي وتم ترشيحه لتمثيل المغرب في أوسكار أفضل فيلم دولي.
يُقدم الفيلم حياة ماريا أنخليس، امرأة تقارب الثمانين، تعيش وحيدة في منزلها الذي يعكس ذوقها الإسباني المغربي. تتغير حياتها الهادئة بوصول ابنتها التي تهدف إلى بيع المنزل، مما يضع ماريا أمام خيار صعب بين الانتقال إلى مدريد لمساعدة ابنتها أو دخول دار مسنين.
يبرز الفيلم صراع ماريا بين الجذور والهوية والاستقلالية في مرحلة متقدمة من العمر، ورحلتها للحفاظ على تاريخها وهويتها وكرامتها.
“مع حسن في غزة”: نظرة إلى الماضي
فيلم “مع حسن في غزة” عرض لأول مرة خلال فعاليات مهرجان لوكارنو السينمائي، حيث ترشح لجائزة الفهد الذهبي وفاز بجائزة علامة يوروبا سينما. الفيلم من إخراج كمال الجعفري، وقد لفت أنظار مهرجانات دولية أخرى مثل مهرجان نيويورك السينمائي.
في نوفمبر 2001، قام المخرج كمال الجعفري بتوثيق رحلة بحثه عن رجل شاركه السجن في غزة عام 1989، بمرافقة مرشده حسن. بعد سنوات، أعاد اكتشاف المواد المصورة التي شكلت أساس فيلمه.
يقدم الفيلم صورة لغزة قبل ربع قرن، حيث كانت المدينة تمر بظروف صعبة خلال الانتفاضة، لكنها تختلف جذريًا عن غزة اليوم. هذا الفيلم يقدم منظورًا تاريخيًا مهمًا من خلال السينما العربية.
في الختام، يمثل عام 2025 عامًا حافلًا بالإبداع في السينما العربية، حيث قدمت هذه الأفلام الخمسة نماذج متنوعة من القصص والأساليب السينمائية التي تعكس الواقع العربي وتطرح قضايا مهمة. هذه الأفلام العربية في 2025 ليست مجرد أعمال فنية، بل هي أيضًا شهادات على قوة السينما في إثارة التفكير والتأثير في المشاهدين. ندعوكم لمتابعة هذه الأفلام واستكشاف المزيد من الإبداعات السينمائية العربية.


