تخلّى الموسيقي اللبناني مارسيل خليفة في الحفلة التي أحياها مساء أمس السبت في مدينة صيدا الجنوبية عن الوشاح الأزرق الذي كان يطل به خلال السنوات الأخيرة، وارتدى وفرقته ثيابا سوداء، موجّها ببرنامجه تحيات إلى “أهل غزة” وضحايا انفجار مرفأ بيروت.

وبـ”نشيد الموتى”، استهلّ خليفة حفلته التي اختتم بها مهرجانات صيدا على مسرح أقيم قرب القلعة الأثرية البحرية للمدينة، واحتضن نحو 2200 شخص من كل الأعمار.

وبين هؤلاء نحو 20 شخصا حضروا خصيصا من غزة، فقد بعضهم أجزاء من أجسامهم أو باتوا مقعدين بفعل تعرضهم لإصابات خلال الحرب التي تخوضها إسرائيل منذ نحو سنتين على القطاع الفلسطيني.

وتأتي حفلة خليفة الذي ارتبط قسم كبير من أعماله بفلسطين واستندت إلى قصائد شعرائها وفي مقدمهم محمود درويش، في ظل إعلان إسرائيل نيتها احتلال القطاع بأكمله.

كذلك اكتسبت حفلة خليفة في صيدا، كبرى مدن جنوب لبنان، دلالة رمزية، إذ تأتي بعد حرب بين إسرائيل وحزب الله دامت من سبتمبر/أيلول إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2024، كان الجنوب مسرحا رئيسيا لها، بعد سنة من المواجهات الحدودية بين الطرفين.

وقال خليفة إن “الأغنية والموسيقى وسط هذا المشهد المرعب من الدمار والأنقاض والركام، وبعد عشرات ألوف الشهداء والجرحى واللاجئين، هما الخلاص (…) رغم الموت والحرب والوحشية والإبادة الروحية والجسدية” في غزة ولبنان.

ورأى أن “كل نوتة وكل أغنية وكل قصيدة هي اليوم شمس كبيرة تعيد إلينا الحب والكرامة والحرية، تعيدنا إلى الحياة، تنقذنا، وهي انتصار على الموت”، وتُظهر “أن ثمة أملا بعد في هذا الزمن الإجرامي”.

خليفة قال أيضا إن “هذه الحفلة تحية لصيدا وأهلها في هذا الظرف الصعب (…) واخترنا المكان الذي نقدم فيه ما يحتاج إليه الناس، قليل من الأمل ولو كان الأمل مستحيلا”.

وفي ضوء قمر مكتمل وعلى وقع هدير أمواج البحر التي أحاطت من كل ميل بالمسرح، رافقت فرقة موسيقية ضمت 11 عازفا وجوقة من 8 منشدين خليفة في أداء “نشيد الموتى”، قبل أن يقدم “في البال أغنية” للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش.

ووجه خليفة “تحية من القلب إلى هذا الشاعر الكبير” الذي توفي في اليوم نفسه قبل 17 عاما، في 9 أغسطس/آب 2008، وتستند أغنيات عدة لخليفة إلى قصائده، من بينها “ريتا والبندقية” التي كانت أيضا ضمن برنامج الحفلة الصيداوية، وسبق الجمهور خليفة إلى تردادها ورافقه خلالها.

وعلى أوتار عودِه، واكب خليفة نجله رامي خلال عزفه على البيانو بأسلوبه الديناميكي مقطوعة قال الفنان الأب إنها “تحية لفنان كبير” هو زياد الرحباني الذي توفي في 26 يوليو/تموز الفائت عن 69 عاما.

صيادو صيدا

ثم توالت الأغنيات من “بغيبتك نزل الشتي” و”سجر البن” و”ركوة عرب” للشاعر اللبناني طلال حيدر، وموشح “يا نسيم الريح” لجلال الدين الرومي عن الحب والتصوف.

وعزف نديم روحانا على الأكورديون موسيقى ألفها مارسيل خليفة بعنوان “تانغو تشي غيفارا”، الثوري الكوبي الماركسي الأرجنتيني المولد.

وفي تحية “إلى الشهداء الذين سقطوا في انفجار مرفأ بيروت” في الرابع من أغسطس/آب 2020، عزف رامي خليفة مقطوعة من تأليفه، بدت أشبه بلوحة متعددة المشاهد والأبعاد في الذكرى الخامسة لهذه الكارثة التي أودت بحياة ما يزيد على 220 شخصا وأدت إلى إصابة الآلاف، ودمرت أجزاء من العاصمة.

ارشيف Lebanese singer and composer Marcel Khalife offers his condolences during the funeral of Lebanon's renowned musician and composer Ziad Rahbani, at Mhaidseh's Greek Orthodox Church of Dormition in Bikfaya in Mount Lebanon, north east of Beirut, on July 28, 2025. Rahbani, son of music icon Fairuz and pioneer of Oriental jazz, died on July 26 aged 69 after revolutionising Lebanese theatre and music, starting his career at 17 in the early 1970s. The enfant terrible of Lebanese music who made a huge mark on generations of Arabs with his theatre pieces and songs, had long suffered from health problems. (Photo by JOSEPH EID / AFP)

وإلى “أهل غزة”، وجه خليفة تحية أخرى، من خلال أغنيته الشهيرة “منتصب القامة أمشي” التي أنشدها الجمهور بأكملها قبل أن يفعل الفنان، وكرر “إني اخترتك يا وطني” نزولا عند طلب الجمهور الذي شاركه غناءها في المرة الأولى.

وبلغت حماسة الحاضرين ذروتها عندما اقتربت مراكب صيادي السمك الصيداويين من المسرح رافعة الأعلام اللبنانية على وقع “يا بحرية هيلا هيلا” التي غناها مارسيل للمرة الأولى في صيدا خلال سبعينيات القرن الماضي.

وذكر خليفة أن هذه الأغنية هي “للصيادين ولمعروف القلعة”، اللقب الذي كان يُطلق في إشارة إلى قلعة صيدا البحرية على السياسي الصيداوي المؤيد للقومية العربية معروف سعد الذي توفي في 6 مارس/آذار 1975 متأثرا بجروح أصيب بها أثناء مشاركته في مظاهرة لصيادي السمك، وشكلت وفاته إحدى الشرارات التي أدت إلى اندلاع الحرب اللبنانية في 13 أبريل/نيسان من العام نفسه.

وتكمن أهمية حفلة خليفة في صيدا أيضا في ارتباط “عاصمة الجنوب” اللبناني ببداياته الفنية. وقال في هذا الصدد إن “صيدا هي أرض أغنيتي. أنا أعود إليها اليوم، وأعود مثل البحار العتيق إلى مينائها”.

وذكر أنه غنى في صيدا للمرة الأولى “وعود من العاصفة”، وهي قصيدة لمحمود درويش أيضا شكلت عنوانا لألبوم خليفة الأول عام 1976.

شاركها.
اترك تعليقاً