فيما يشتد أوار حرب الغزو الروسي لأوكرانيا؛ قرر الأوكرانيون التصدي للغزاة ليس في ساحات الوغى فحسب؛ بل على الصعيد الثقافي، باستهداف جميع تماثيل أعظم شعراء روسيا ومؤسس أدبها الحديث الشاعر الإكسندر بوشكن (1799-1837). وتم تدمير عدد كبير من تماثيل بوشكن في مدن أوكرانيا. غير أن تمثاله البارز وسط كييف بقي في مكانه، لكنه عارٍ من أية حماية. ففيما حرص الأوكرانيون على إحاطة تماثيلهم الثقافية بأكياس الرمل، وتدابير أخرى لضمان سلامتها من الأسلحة الروسية التي لا ترحم، تركوا تمثال بوشكن وسط كييف بلا حماية… بانتظار صاروخ روسي، أو طائرة مسيرة روسية لتحطمه! ويصف الأوكرانيون تماثيل بوشكن وغيره من أقطاب روسيا بأنها «إمبريالية». ويقولون إن بوشكن هو «جندي الثقافة المغايرة». وأضحى بوشكن رمزاً للعداء الأوكراني لروسيا منذ اندلاع الغزو الروسي في 24 فبراير 2022. وتم حتى الآن تدمير أكثر من 30 تمثالاً لبوشكن في أرجاء أوكرانيا. وهو أمر يبدو غريباً بالنسبة إلى الأوروبيين؛ الذين يستغربون كيف يمكن أن تنطلق ثورة ضد تماثيل شخص توفي منذ أكثر من قرنين! ووافق الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينيسكي، الشهر الماضي، على تشريع يقضي بإزالة جميع المظاهر «الاستعمارية». وهو أمر يعيد للذاكرة قرار أوكرانيا في سنة 2015 سن تشريع لإزالة جميع مظاهر «الشيوعية» من مدنها. وهو ما أدى الى إزاحة تماثيل لينين، وماركس، وغيرهما من أقطاب الشيوعية. وأدى ذلك أيضاً الى تغيير أسماء أكثر من 200 شارع في كييف ومدن أوكرانية أخرى. ويقضي قانون عام 2015 بإزالة أية صورة، ونصب تذكاري، وتمثال، ولوحات تمجد «السياسة الإمبريالية الروسية»؛ سواء خلال عهد القياصرة، أو خلال الحقبة السوفيتية. ويقول الأدباء الأوكرانيون إن الأعمال الأدبية والفنية الروسية إنما هي انعكاس لقيم الإمبراطورية القيصرية الروسية. ويرون أن محو تلك الآثار هو الطريق الوحيدة لإزالة قيم العنف التي تنطوي عليها. ويتضايق الأوكرانيون من أعمال بوشكن الشعرية، خصوصاً قصيدته الشهيرة «إلى من يسيئون إلى روسيا»، التي نظمها رداً على الانتفاضة البولندية ضد روسيا في عام 1830. خصوصاً أنه يقول فيها إن حدود «روسيا العظمى» تمتد من جبال الأورال إلى جزيرة القرم، ومن آيسلندا إلى جورجيا. وذكرت أبحاث أجريت قبل 5 سنوات أن عدد الشوارع في مدن أوكرانيا المسماة على الإكسندر بوشكن يبلغ 594 شارعاً. ويحتل بوشكن المرتبة الثالثة في أسماء الشوارع الأوكرانية، بعد شاعر أوكرانيا الوطني تاراس شيفيشينكو، ورائد الفضاء السوفيتي يوري غاغارين. ويرى كُتّاب أوكرانيون أن السماح بنصب تماثيل لبوشكن وغيره من رموز الإمبراطورية المبادة يعني التسليم بأن أوكرانيا تابعة لروسيا. وقام عدد من الناشطين الأوكرانيين في أكتوبر 2022 بإزالة أقدم تمثال لبوشكن في ساحة سلافي، حيث ظل منصوباً منذ عام 1899. وأقر سكان العاصمة كييف، أخيراً، إعادة تسمية «حديقة بوشكن» لتحمل اسم الروائي الأوكراني الشهير ايفان باهريانيي. ويذكر أن الإكسندر سيرجيفيتش بوشكن ولد لعائلة نبيلة في موسكو. وجده الأكبر من أصول أفريقية، خطفه العثمانيون من بلاده، لكن قيصر روسيا قام بتحريره، ووضعه ضمن أفراد العائلة المالكة في موسكو.