تصاعد الأزمة.. هل تواجه “يوروفيجن” خطر الانهيار بسبب مشاركة إسرائيل؟
تشهد مسابقة الأغنية الأوروبية “يوروفيجن” حالة من الغليان الشديد، تهدد بانهيارها في ظل تصاعد موجة الانسحابات من قبل الدول الأوروبية احتجاجًا على السماح لإسرائيل بالمشاركة في الدورة القادمة. هذه الأزمة لم تعد مجرد خلاف سياسي، بل تمتد لتشمل اتهامات بالتلاعب بنتائج التصويت وشكوكًا حول استقلالية الاتحاد الأوروبي للبث (EBU). الوضع الحالي يثير تساؤلات جدية حول مستقبل هذه الفعالية الثقافية التي لطالما كانت منصة للوحدة والتنوع في أوروبا. يوروفيجن، التي تعد من أكبر الفعاليات التلفزيونية على مستوى العالم، تقف على مفترق طرق حاسم.
موجة الانسحابات تتزايد: احتجاجات على خلفية الأوضاع في غزة
بدأت الأزمة مع إعلان عدد من الدول الأوروبية، من بينها إسبانيا وهولندا وأيرلندا وسلوفينيا وآيسلندا، انسحابها الرسمي من المسابقة. هذا القرار لم يكن مفاجئًا، حيث جاء ردًا على قرار الاتحاد الأوروبي للبث بالسماح لإسرائيل بالمشاركة، على الرغم من الحرب الدائرة في قطاع غزة. تعتبر هذه الدول أن مشاركة إسرائيل تتنافى مع قيم المسابقة التي تدعو إلى السلام والتسامح، وأن السماح لها بالمشاركة يمثل صمتًا مُخزيًا تجاه المعاناة الإنسانية.
الصحفي الأمريكي المتخصص في الشؤون الأوروبية، ديف كيتينغ، يؤكد أن الوضع يزداد سوءًا وأن الاتحاد الأوروبي للبث قد لا يتمكن من احتواء الأزمة أو إقناع الدول المنسحبة بالعودة. فالاعتراضات تتجاوز مجرد الأزمة الإنسانية في غزة، وتشمل مخاوف عميقة بشأن تسييس المسابقة.
اتهامات بتسييس التصويت وتأثير الحملات المدفوعة
لا يقتصر الجدل على مسألة الانسحابات فحسب، بل يمتد ليشمل الشكوك حول نزاهة عملية التصويت نفسها. كيتينغ يشير إلى فوز إسرائيل المتكرر في تصويت الجمهور خلال السنوات الأخيرة، وهو ما أثار الريبة لدى الكثيرين، خاصة وأن الأغنية الإسرائيلية الفائزة في العام الماضي لم تحقق انتشارًا واسعًا على منصات الموسيقى مثل “سبوتيفاي”.
دور الحكومة الإسرائيلية في التأثير على التصويت
تفاقمت هذه الشكوك مع الكشف عن قيام الحكومة الإسرائيلية بتمويل حملة دعائية تهدف إلى حشد الأصوات لإسرائيل خلال المسابقة. وقد شملت هذه الحملة إرسال رسائل نصية إلى أرقام هواتف في دول لا تشارك أساسًا في بث “يوروفيجن”، مثل الولايات المتحدة، وحثهم على التصويت لإسرائيل كنوع من الدعم السياسي. هذا العمل، بحسب كيتينغ، يُعتبر “تسييسًا للتصويت” حتى وإن لم يكن هناك انتهاك صريح للقواعد الرسمية للمسابقة، لكنه يمثل خرقًا واضحًا لـ “روح المسابقة”.
الجامعة العربية والمنظمات الحقوقية كانت قد دعت من قبل إلى مقاطعة يوروفيجن بسبب مشاركة دولة متهمة بارتكاب جرائم حرب.
أزمة مشاركة مُحتملة تهدد بوقف المسابقة
ويبدو أن الانسحابات قد تتفاقم قبل الدورة القادمة. يشير كيتينغ إلى أن العديد من الفنانين في دول أخرى، مثل البرتغال والسويد، يرفضون المشاركة إذا استمرت إسرائيل في المسابقة. وقد أعلن 16 مغنيًا برتغاليًا عن استعدادهم للانسحاب إذا تم اختيارهم لتمثيل بلادهم في ظل وجود إسرائيل.
السويد، التي تعتبر “حجر الزاوية” في “يوروفيجن” ولها تاريخ طويل في الفوز والاحتضان، قد تشكل نقطة اللاعودة. فإذا قررت السويد عدم المشاركة في دورة 2026، بحسب كيتينغ، فإن هذا قد يؤدي إلى “نهاية الأمر برمته”.
“يوروفيجن”: أكبر فعالية تلفزيونية ثقافية خارج نطاق الرياضة
تكمن أهمية هذه الأزمة في أن مسابقة يوروفيجن ليست مجرد مسابقة غنائية عادية. فهي الحدث التلفزيوني الأكثر مشاهدة عالميًا بعد الأحداث الرياضية الكبرى، وهي الفعالية الثقافية الوحيدة الواسعة النطاق التي تُقام بدون مشاركة الولايات المتحدة. فقدان هذه الفعالية، أو تدهورها بشكل كبير، سيكون خسارة كبيرة لأوروبا وللمشهد الثقافي العالمي.
غضب فني واسع النطاق وتصعيد الموقف
يتجاوز الغضب الموقف السياسي للدول، ليشمل الفنانين والمبدعين أنفسهم. أدان 170 فنانًا بلجيكيًا قرار هيئة الإذاعة والتلفزيون البلجيكية بالمشاركة في المسابقة في ظل وجود إسرائيل. وفي وقت سابق، طالب ما يقرب من 4000 فنان من الدول الإسكندنافية (النرويج والدنمارك والسويد وآيسلندا وفنلندا) بإقصاء إسرائيل، واعتبروا مشاركتها بمثابة “تلميع” للإبادة الجماعية التي ترتكبها في غزة.
الوضع الإنساني في غزة: الدافع الرئيسي للاحتجاجات
يجب التذكير بأن هذه الاحتجاجات تأتي في ظل وضع إنساني كارثي في قطاع غزة. فالحرب الإسرائيلية المستمرة منذ 8 أكتوبر 2023 قد أسفرت عن استشهاد أكثر من 70 ألف فلسطيني وإصابة أكثر من 171 ألفًا آخرين، معظمهم من الأطفال والنساء. هذا الواقع المأساوي يغذي الغضب الشعبي والفني ويعزز المطالبات بمحاسبة إسرائيل ووقف إفلاتها من العقاب. ويؤكد المتابعون أنه لا يمكن تجاهل هذا البُعد الإنساني عند الحديث عن يوروفيجن ومستقبلها.
في الختام، تواجه مسابقة يوروفيجن تحديًا وجوديًا يتطلب حكمة وشجاعة من الاتحاد الأوروبي للبث. فالاستمرار في تجاهل المطالبات المشروعة للدول والفنانين قد يؤدي إلى انهيار هذه الفعالية الثقافية الهامة، في حين أن اتخاذ قرارات جريئة تتماشى مع قيم المسابقة قد يساهم في استعادة ثقة الجمهور والحفاظ على مستقبلها. المسألة الآن تتعلق ليس فقط بالموسيقى، بل أيضًا بالضمير الإنساني والمسؤولية الأخلاقية.















