الفانتازيا التاريخية واحدة من الأنواع الدرامية غير المنتشرة في المسلسلات العربية بشكل عام، وقد ارتبطت قديما بمسلسلات “ألف ليلة وليلة”، وحديثا بـ”جودر” بجزئيه.
لكن المخرج والمؤلف بيتر ميمي يطرق مؤخرا هذا النوع من خلال مسلسله “مملكة الحرير” الذي يُعرض على إحدى المنصات العربية الحديثة.
“مملكة الحرير” من إخراج وتأليف بيتر ميمي، وبطولة كريم محمود عبد العزيز وأسماء أبو اليزيد وأحمد غزي وعمرو عبد الجليل، ويتكون من 10 حلقات فقط يتم عرضها تباعا على المنصة.
مؤامرات وخداع وعشق محرم
يبدأ المسلسل براوٍ يقدم لنا مقدمة سابقة لأحداث “مملكة الحرير” تبدأ من جريمة القتل الأولى، وقصص أبناء آدم وقابيل وهابيل، وأننا كبشر أبناء القاتل، ثم نقفز إلى جريمة موازية يقتل فيها الأمير الذهبي (عمرو عبد الجليل) أخاه الملك نور الدين، ويخطط لقتل ابنيه وريثي عرش مملكة الحرير، وهما الأميران شمس الدين وجلال الدين، لكن أحد الخدم يهرّبهما، ويترك خلفه الأميرة جليلة باعتبار أنها فتاة، ولن يهتم عمها بقتلها.
تزداد الأمور تعقيدا حين يتعرض الخادم لهجوم من اثنين من قطّاع الطرق، فيخطف كل منهما طفلا بهدف بيعه، يكبر شمس الدين (كريم محمود عبد العزيز) كأحد عبيد جيش المماليك، في حين ينشأ جلال الدين (أحمد غزي) بين اللصوص وقطّاع الطرق ويصبح واحدا منهم، لكن ما يميزه عن أخيه هو أن جبل (وليد فواز) الرجل الذي ربّاه كابنه يعلم بأصله الملكي ويحتفظ بهذا السر.
بينما تكبر جليلة (أسماء أبو اليزيد) في القصر الملكي، وتبدأ الأحداث بزفافها على الأمير سليمان ابن الملك الذهبي (يوسف عمر)، وتشتعل كراهيتها تجاه الملك وابنه وأخويها اللذين استطاعا الهرب من القصر وتركاها خلفهما.
الفانتازيا التاريخية هي قصص خيالية تدمج بين التاريخ والعناصر الخيالية، فتجمع بين السحر أو المخلوقات الأسطورية مع سمات الحقبة الزمنية التي تدور فيها الأحداث، وتستكشف هذه الأعمال التاريخ عبر الصراعات التقليدية بين الخير والشر.
وفي “مملكة الحرير” يصبح الصراع أكثر تعقيدا، لأن الخير أو الورثة الشرعيين للمملكة يتواجهون كأعداء في نقطة من الأحداث.
لكن صنّاع المسلسل وضعوا الأحداث في إطار قصص الحب والعشق الممنوع والمؤامرات التي تقوم بها نساء لإسقاط رجال البلاط بشكل مستمر، لتصبح هذه الحبكات هي المحرك الرئيسي للأحداث، خاصة شخصيتي ريحانة (سارة التونسي) والأميرة جليلة اللتين لا تتوانى إحداهما عن استخدام فتنتها والدخول في علاقات محرمة أو قتل أعدائها بعنف طالما ستصل إلى مبتغاها في النهاية.
وفي النهاية، يتحول المسلسل إلى نسخة غير أصلية من مسلسل “حريم السلطان” التركي، والذي ينتمي بدوره إلى الدراما التاريخية، وقد دارت أحداثه في قصر السلطان سليمان القانوني الذي يتعرض طوال الوقت للمؤامرات، في حين في الخلفية تتصارع الجواري وسيدات القصر.
محاولات لصنع صورة مبهرة
تعتمد الفانتازيا التاريخية بشكل كبير على إبهار المتفرجين، بداية من الأزياء والمكياج وحتى الديكورات قديما والمؤثرات البصرية حديثا، وتتنافس في ذلك المسلسلات العالمية قبل المحلية، فنجد في مسلسلات مثل “صراع العروش” (Game of Thrones) تُرصد لكل حلقة من حلقاتها ميزانيات عملاقة من أجل هذه التجربة البصرية والسمعية المذهلة التي تقدمها.
يحاكي مسلسل “مملكة الحرير” مسلسلات الفانتازيا التاريخية عالية الميزانية قدر الإمكان أو بقدر الإمكانيات المتاحة لعملية الإنتاج، فنجد اهتماما واضحا بتصميم الأزياء، والقصور التي تدور فيها الأحداث، والمزج بين التصوير في الأماكن الحقيقية واستخدام المؤثرات البصرية، كما اهتم صُنّاع المسلسل إلى جانب الصوت بالموسيقى التصويرية والأغاني التي تضفي طابعا خاصا على المسلسل.
لكن مسلسلات الفانتازيا التاريخية لا تسعى فقط خلف الإبهار البصري والسمعي، بل تتمثل نقطة قوتها الأساسية في الحبكة المنطقية ذات التصاعد المحكم والأداء التمثيلي المتقن، وهي عناصر افتقدها مسلسل “مملكة الحرير” إلى حد كبير.
يتميز المسلسل بتسارع الأحداث، فعلى سبيل المثال يعلم جلال الدين بحقيقته بشكل مبكر نسبيا لهذا النوع من المسلسلات، وربما يرجع الأمر إلى عدد الحلقات المحدود، ويعكس هذا التسارع في الوقت ذاته عدم استقرار حياة القصور وعنفها غير المتوقع نتيجة للمؤامرات المستمرة.
لكن على الجانب الآخر هناك الكثير من الأحداث التي لم يتم التأسيس لها من داخل المسلسل، فبدت مفاجئة بشكل واضح.
مثّل الأداء التمثيلي نقطة ضعف كبيرة في “مملكة الحرير”، فبعيدا عن أداء كريم محمود عبد العزيز -الذي كان الأفضل في المسلسل بشكل عام- نجد أداء تمثيليا متفاوتا للغاية.
ويغلب الافتعال والمبالغة المسرحية على أداء كل من أسماء أبو اليزيد وأحمد غزي وسارة التونسي، إذ يبدون طوال الوقت وكأنهم واعون بأنهم يقدمون أدوارا معقدة في مسلسل فانتازيا تاريخية، ويحاكون أداءات مشابهة في أعمال أخرى.
أما عمرو عبد الجليل فكان اختيارا غير مألوف لدور الملك الذهبي الشرير وقاتل أخيه، فخلط الكوميديا والسخرية بالجدية بشكل غير متوازن.
يعود بيتر ميمي في “مملكة الحرير” إلى الفانتازيا التاريخية التي قدمها من قبل في “الحشاشين” العام الماضي، لكن بينما غلبت على “الحشاشين” التوريات السياسية لا يجمع بين المسلسلين هنا سوى استخدام المؤثرات البصرية بإفراط، فلا يقدم المسلسل قراءة جديدة للتاريخ أو حتى للصراع بين الخير والشر، وقد تم قلب الأحداث إلى صراع ممجوج من “كيد النساء”.