يعد شارع الرشيد، القلب النابض لمدينة بغداد، رمزا تاريخيا وثقافيا يعكس عراقة المدينة وتراثها الغني. ومن هذا المنطلق، تولي الحكومة اهتماما بالغا بتأهيل وتطوير هذا الشارع الحيوي ضمن مبادرة “نبض بغداد”، وذلك ضمن رؤية شاملة لإحياء مركز بغداد التاريخي، وتحويله إلى وجهة سياحية جاذبة.

وأعلن مكتب رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، في 10 فبراير/شباط، عن إطلاق المرحلة الثالثة من مبادرة “نبض بغداد”، الخاصة بتأهيل شارع الرشيد، أحد أعرق وأهم الشوارع التراثية في البلد.

كما وجه السوداني، الاثنين الماضي، بإنجاز هذه المرحلة بإعادة إعمار شارع الرشيد في وقت قياسي، وفقا للمواصفات والشروط المحددة.

شارع الرشيد معلم بغدادي عريق تأسس في عام 1916 خلال الحكم العثماني بأمر من خليل باشا، وكان الهدف منه تسهيل حركة الجيش وقد عرف في البداية باسم مؤسسه، ثم تغير اسمه مرات عدة أثناء الاحتلال البريطاني قبل أن يستقر على اسم الرشيد تيمنا بالخليفة العباسي هارون الرشيد بتوصية من المؤرخ مصطفى جواد.

وقد كان الشارع يوما ما مركزا تجاريا وثقافيا حيويا يضم متاجر لأشهر العلامات التجارية العالمية ومقاهي ومسارح ودور سينما، كما كان يضم مساجد تاريخية لكنه مع مرور الوقت تعرض للإهمال نتيجة للظروف السياسية والاقتصادية التي مرت بها البلاد مما أدى إلى تدهوره.

 

القلب النابض بالحياة

وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي، أحمد فكاك البدراني، تحدث عن المراحل الثلاث لتأهيل شارع الرشيد، مشيرا إلى أهداف المرحلة الثالثة من المشروع.

وأوضح البدراني في حديث للجزيرة نت، أن كل مدينة في العالم لها ما يسمى قلب المدينة التجاري أو “الداون تاون”، وهو المصطلح الذي يطلق على مركز المدينة الأصيل أو القديم. وفي بغداد، يمثل شارع الرشيد هذا القلب النابض بالحياة، حيث يجمع بين أصالة المدينة ومركز تجارتها.

وأضاف: بدأت مراحل التأهيل بشارع المتنبي، وهو أحد أشهر الشوارع في بغداد، ويعد مركزا ثقافيا هاما، حيث يشتهر بكونه مكانا مثاليا لمحبي الكتب والمطالعة.

أما المرحلة الثانية، فقد شملت تأهيل شارع سراي الحكومة، وهو مجموعة من القصور التراثية التي كانت تحكم بغداد في الماضي، منها قصر الوالي العثماني وقصر الملك وقصور أخرى مترابطة.

وتهدف المرحلة الثالثة من مبادرة “نبض بغداد” إلى إعادة تأهيل شارع الرشيد، وإحياء طابعه المعماري الفريد، وتحسين بنيته التحتية، وتفعيل دوره كمركز اقتصادي وثقافي نابض بالحياة.

وأكد أن هذه الجهود تهدف إلى تنشيط السياحة التراثية، خاصة بعد اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025، وجذب الاستثمارات، وتوفير بيئة حضرية تعكس الهوية التاريخية لبغداد.

وأوضح البدراني، أن المصارف الخاصة العراقية لعبت دورا محوريا في دعم هذا المشروع، بالمساهمة الفاعلة في تمويل عمليات التأهيل وإعادة الإعمار، منوها إلى أن الجهات المشاركة، فهي تشمل مكتب رئيس مجلس الوزراء، ورابطة المصارف الخاصة العراقية، وأمانة بغداد، ووزارة الثقافة، وتمثل هذه الجهات شراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث تساهم المصارف الخاصة العراقية في التمويل، بينما تتولى الجهات الحكومية التنفيذ والإشراف.

تفاصيل المرحلة الثالثة

عدي الجنديل، المتحدث الرسمي لأمانة بغداد، أكد أن المرحلة الثالثة من مشروع تأهيل شارع الرشيد، أحد أبرز المعالم التاريخية في العاصمة العراقية ستركز على ترميم وتأهيل ستة مبان تراثية في الشارع، بواقع ثلاثة على كل جانب.

وأوضح الجنديل في حديث للجزيرة نت، أن هذه المرحلة ستمثل نموذجا أوليا لاستعادة رونق هذا الشارع العريق ضمن جهود تطوير مركز بغداد التاريخي، استعدادا لاستضافة فعاليات بغداد عاصمة السياحة العربية، التي أقرها مجلس وزراء السياحة العرب”.

وأضاف، أن أعمال التأهيل ستشمل المقطع الممتد من ساحة الميدان حتى تمثال الرصافي، حيث سيتم اختبار البنية التحتية للمنطقة، قبل البدء في أعمال الترميم الشاملة، مؤكدا أن الهدف من هذه الجهود هو الحفاظ على الهوية التاريخية والمعمارية لشارع الرشيد، الذي يمثل ذاكرة المدينة منذ العصر العثماني وحتى يومنا هذا.

وأشار إلى أن أمانة بغداد تعمل بتعاون وثيق مع وزارة الثقافة، وقيادة عمليات بغداد، ومحافظة بغداد، ورابطة المصارف العراقية الخاصة، لتنفيذ هذا المشروع الطموح، موضحا أن رابطة المصارف هي الشريك الأساسي لأمانة بغداد في هذه المرحلة، وذلك في إطار مبادرة “نبض بغداد”، نظرا إلى ملكية القطاع الخاص لمعظم المباني في المنطقة.

وأكد الجنديل، أن أعمال التطوير ستتزامن مع أعمال ترميم وتأهيل المتحف البغدادي، الذي يقع قرب شارع الرشيد، لتعزيز الجذب السياحي للمنطقة، منوها إلى المرحلتين السابقتين من مشروع تطوير مركز بغداد التاريخي، واللتين شملتا تأهيل زقاق المتنبي وشارع السراي.

نبض بغداد.. إعادة تأهيل أيقونة العاصمة العراقية شارع الرشيد التاريخي

المحافظة على التراث

ضياء هادي حسن، وهو أحد أصحاب المحال التجارية في شارع الرشيد، أشاد بالجهود المبذولة في عمليات التأهيل وإعادة ترميم المباني التراثية في الشارع، مؤكدا أنها تجري وفق خطط مدروسة وبإشراف مكاتب استشارية متخصصة في الحفاظ على الطابع التراثي.

وأوضح حسن في حديثه للجزيرة نت، أن شارع الرشيد يعتبر من أهم المناطق الحيوية والتراثية في العراق، مشيرا إلى الروايات التاريخية التي تربط تأسيسه بعهد العثمانيين، مضيفا أن هذا الشارع يمثل معلما تاريخيا بارزا في البلاد، يضاهي الأسواق التراثية الشهيرة في الدول العربية والأجنبية، مثل سوق الحميدية في سوريا.

وأعرب حسن عن إعجابه بالمراحل الأولى من أعمال الترميم، ووصفها بأنها تتميز بالحرص على الحفاظ على التراث، مستشهدا بالتجربة الناجحة لترميم شارع المتنبي. كما أكد أهمية الاستعانة بمكاتب استشارية متخصصة في مجال التراث من الجهات المعنية بالإعمار، لضمان الحفاظ على الهوية التراثية لهذه المناطق.

نبض بغداد.. إعادة تأهيل أيقونة العاصمة العراقية شارع الرشيد التاريخي

ذكريات وقصص

من جانبه قال طلال الطائي صاحب أحد المحال التجارية في الشارع، إن أعمال الترميم والتأهيل الجارية اليوم تمثل إعادة نبض لواحد من أعرق وأهم شوارع بغداد، الذي يحمل في طياته ذكريات وقصصا يتداولها العراقيون حتى يومنا هذا.

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح الطائي أن شارع الرشيد يحمل ذكريات عديدة ومهمة في وجدان المواطن البغدادي، مشيرا إلى المقاهي والكازينوهات الشهيرة التي كانت تزخر بها المنطقة في بداياتها، كمقهى أم كلثوم الذي كان ملتقى للأدباء والشعراء والفنانين.

وشدد الطائي على أن ما نشهده اليوم هو إحياء لتاريخ بغداد ومظهرها الحضاري، من خلال إعادة تأهيل الشارع دون المساس بهويته التراثية ومظهره القديم، وما يحمله من ذكريات بغدادية عريقة.

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.