Published On 10/12/2025 10/12/2025|آخر تحديث: 13:11 (توقيت مكة)آخر تحديث: 13:11 (توقيت مكة)انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعيshare2شارِكْ

عمّان – لم يكن افتتاح الدورة السادسة عشرة من مهرجان “كرامة سينما الإنسان” في العاصمة الأردنية عمّان حدثا سينمائيا عابرا، ولا مجرد احتفاء جديد بحقوق الإنسان عبر الفن، بل لحظة تُستعاد فيها جراح لم تهدأ، ليعود إلى الواجهة صوت الطفلة الفلسطينية الشهيدة هند رجب التي لم يمهلها الرصاص لتكبر. ففي قلب فعاليات المهرجان، برزت قصة هند رجب كرمز للألم والمعاناة، محركةً الضمائر ومجددةً المطالبة بالعدالة.

مهرجان كرامة سينما الإنسان: منصة لإحياء الذاكرة ورفع الصوت

مع انطلاق فعاليات المهرجان، تحوّل فيلم الافتتاح إلى مساحة يستعيد من خلالها الحضور صدى الطفلة هند رجب، الذي اخترق حصار الحرب ووصل إلى العالم بوصفه شهادة لا يمكن محوها. هذا العام، يحمل المهرجان عنوان “بنك الحقوق”، وهو عنوان قوي يوحي بأن الحقوق ليست مجرد شعارات ترفع في المناسبات، بل هي رصيد فعلي يجب استعادته ومساءلة العالم عنه. المهرجان، منذ تأسيسه عام 2010، أصبح منصة سينمائية دولية رائدة في الأردن، مكرسةً لنشر الوعي حول حقوق الإنسان من خلال قوة الصورة.

“هند تحت الحصار”: فيلم الافتتاح الذي هز المشاعر

تُوّج حفل الافتتاح بعرض الفيلم الأردني القصير “هند تحت الحصار” للمخرج ناجي سلامة، وهو العمل الذي خص به مسرح المهرجان الرئيسي ليكون فاتحة لأيام سينمائية مكثفة تمتد حتى منتصف الشهر الجاري. الفيلم ليس مجرد عمل فني، بل هو صرخة مدوية في وجه الظلم، ومحاولة لتوثيق جريمة هزت العالم.

يحمل فيلم “هند تحت الحصار” مادة إنسانية متفجرة، مستندا إلى التسجيل الحقيقي لمكالمة أجرتها الطفلة هند رجب ذات الستة أعوام مع طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني، طالبة النجدة بعدما وجدت نفسها عالقة داخل سيارة عائلتها التي تعرضت لإطلاق نار أثناء اختبائهم في حي تل الهوا بغزة. هذه المكالمة، التي تحولت إلى شاهد على مأساة، هي جوهر الفيلم ومصدر قوته.

تفاصيل مروعة ورعب لا يوصف

بين ارتجاف صوت الطفلة ومحاولات مسعفة الهلال الأحمر رنا الفقيه طمأنتها، تتسع مساحة الحكاية لتكشف ملامح الرعب الذي عاشته الطفلة هند وحيدة في لحظات فاقت قدرة البشر على الاحتمال. المخرج ناجي سلامة لم يكتفِ بإعادة سرد الأحداث، بل سعى إلى إعادة الاعتبار لهذه اللحظة الإنسانية الجارحة من خلال بناء بصري مكثف، واستخدام شهادات مؤثرة من مسعفين وشهود عيان.

أصداء المكالمة الأخيرة: شهادات من قلب الحدث

أما مدير الإنتاج غسان سلامة، فأوضح أن الفيلم هو “محاولة سينمائية لفضح الفرقة العسكرية الإسرائيلية الخاصة التي قتلت الطفلة هند”، مضيفا في حديثه للجزيرة نت أن العمل يختصر قصة موجعة لإيصالها للعالم كله، في مواجهة رواية القتلة الذين وصفوا أنفسهم بـ”إمبراطورية مصاصي الدماء”. هذا التصريح يعكس الغرض الأساسي من الفيلم: كشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين.

ومن بين الأصوات التي يعيد الفيلم إحياءها صوت عمر علقم من طواقم الهلال الأحمر، والذي كان على اتصال مباشر مع الطفلة حتى اللحظة الأخيرة. يروي علقم للجزيرة نت أن الشهيدين يوسف وأحمد -المسعفيْن اللذين أُرسلا لإنقاذها- “وصلا إليها بالفعل، لكن جنود الاحتلال باغتوهما وقتلوهما تماما كما قتلوا هند بدم بارد”. هذه الشهادة المباشرة تزيد من فداحة الجريمة وتؤكد على وحشية ما حدث.

ردود فعل الجمهور: الفيلم ليس مجرد عرض سينمائي

حضرت العرض لينا حماد، وهي طالبة جامعية قالت إن حضورها ليس بدافع الفضول السينمائي، بل لأنها أرادت أن ترى كيف يمكن لصوت طفلة واجهت الموت أن يتحول إلى عمل فني يلامس ضمير العالم بأسره. هذا يعكس قوة الرسالة الإنسانية التي يحملها الفيلم وقدرته على التأثير في المشاهدين.

وتضيف حماد أن “إنتاج الفيلم ليس مجرد قرار فني، بل هو موقف أخلاقي وفكري، يعيد طرح سؤال العدالة في وجه العالم، فبعد نحو عام على رحيل الطفلة، يأتي الفيلم ليقول إن الحكاية لم تُقفل، وإن السينما لا تُعيد الحياة إلى أصحابها لكنها تُعيد الذاكرة إلى مكانها الصحيح”. هذا التأكيد على أهمية الذاكرة الجماعية والمسؤولية الأخلاقية هو أحد أهم جوانب الفيلم.

تنوع الأفلام والمواضيع: مهرجان يغطي طيفاً واسعاً من القضايا

وعلى مدى أيام المهرجان، يعرض أكثر من 70 فيلما روائيا وتسجيليا وتحريكيا، بمدد طويلة ومتوسطة وقصيرة، قادمة من بلدان تمتد من فلسطين وسوريا والعراق وتونس ومصر ولبنان والسودان، إلى الهند وتركيا وأوروبا والأميركتين. هذا التنوع يعكس الطابع العالمي للمهرجان وقدرته على استقطاب أعمال سينمائية من مختلف الثقافات.

وتتوزع هذه الأعمال على قضايا إنسانية واسعة، لكنها تلتقي جميعا تحت مظلة واحدة عنوانها “حماية الإنسان وكرامته”. وتتضمن جوائز المهرجان: أفضل فيلم وثائقي طويل، وأفضل فيلم حقوقي، وجائزة خاصة للأفلام الأردنية القصيرة.

“كرامة سينما الإنسان”: أكثر من مجرد مهرجان

كما تُعقد على هامش المهرجان مجموعة من الندوات، من أبرزها ندوة “ديمقراطية الصورة” ضمن الطاولة المستديرة “لازمنا اجتماع”، لمناقشة دور الصورة في تشكيل الوعي الجمعي في زمن الصراعات المتسارعة. هذه الندوات تعزز من قيمة المهرجان كمنصة للحوار والنقاش.

منذ تأسيسه، شكل مهرجان “كرامة” أول منصة سينمائية دولية لحقوق الإنسان في الأردن، واستمر في شق طريقه باعتباره فضاء حرا للنقاش والحوار، متشابكا مع أكثر اللحظات الفكرية والأخلاقية حساسية في المنطقة والعالم. المهرجان يمثل فضاءً لتعزيز التفكير النقدي والمشاركة المدنية، مستقطبا جمهوراً واسعاً من الشباب والنساء والناشطين، بالإضافة إلى المخرجين والفنانين.

ومع نهاية عرض “هند تحت الحصار”، لم يكن الفيلم مجرد استعادة لذاكرة الشهيدة، بل بدا أشبه بمحاولة لإبقاء روحها حية، ولتذكير الجمهور بأن الحكاية لم تُغلق بعد. فـ هند رجب -رغم الغياب- لا تزال شاهدة على زمن تتقاطع فيه الأسئلة الكبرى مع صدى صوت طفلة تبحث عمن ينتشلها من تحت الحصار أو من قبضة الموت. المهرجان يمثل بذلك التزاماً بالعدالة ورفضاً للنسيان.

شاركها.
اترك تعليقاً