توفي الفنان الفلسطيني محمد بكري، عن عمر يناهز 72 عاماً، في مستشفى بمدينة نهاريا شمال فلسطين المحتلة، بعد صراع طويل مع أمراض القلب. يُعدّ بكري من أبرز الشخصيات في السينما والمسرح الفلسطيني، وترك وراءه إرثاً غنياً من الأعمال التي تناولت القضية الفلسطينية وواقعها المرير. وقد أثرى مسيرته الفنية من خلال التمثيل والإخراج والإنتاج، تاركاً بصمة لا تُمحى في الذاكرة الثقافية العربية.
إرث محمد بكري الفني والنضالي
رحيل محمد بكري يمثل خسارة فادحة للحركة الفنية والثقافية الفلسطينية والعربية. فقد كان صوتاً جريئاً يعبر عن معاناة شعبه، ومثالاً للفنان الذي يرفض أن تكون فنونه منفصلة عن قضايا وطنه. شارك بكري في أكثر من 43 عملاً فنياً، مما يدل على نشاطه الدؤوب وتفانيه في خدمة قضيته.
ولد بكري في قرية البعنة عام 1953، ونشأ في فلسطين المحتلة عام 48. درس التمثيل والأدب العربي في جامعة تل أبيب، حيث انطلق في مسيرته الفنية من خلال المسرح. عمل في مسارح هابيما وحيفا، ثم انتقل إلى مسرح القصبة في رام الله، مما أتاح له فرصة أكبر للتعبير عن الهوية الفلسطينية.
خلال مسيرته المهنية، فضّل بكري التعاون مع مخرجين فلسطينيين مثل ميشيل خليفي ورشيد مشهراوي وعلي نصار، مؤمناً بأهمية دعم الإبداع الفلسطيني الأصيل. كما شارك في العديد من الإنتاجات العربية والدولية، مما ساهم في إيصال صوت فلسطين إلى جمهور أوسع.
أدواره المسرحية والسينمائية
اشتهر بكري بأدواره المسرحية القوية، وخاصة مسرحية “المتشائل” المقتبسة عن رواية إميل حبيبي، والتي قدمها لسنوات طويلة. جسّد في هذه المسرحية التناقضات الوجودية التي يعيشها الفلسطيني تحت الاحتلال، مما جعلها عملاً فنياً مؤثراً ومثيراً للجدل.
بالإضافة إلى المسرح، برز بكري كممثل سينمائي في أفلام مثل “حيفا” (1995) للمخرج رشيد مشهراوي، و”واجب” (2019) للمخرجة آن ماري جاسر. كما شارك في أعمال دولية مثل “ما وراء القضبان” ومسلسلات تلفزيونية مثل “هوملاند”، مما أظهر موهبته وقدرته على التكيف مع مختلف البيئات الفنية.
فيلم “جنين جنين” والجدل السياسي
يُعتبر فيلمه الوثائقي “جنين جنين” (2002) من أبرز أعماله وأكثرها إثارة للجدل. وثّق الفيلم شهادات أهالي مخيم جنين بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 2002، وكشف عن حجم الدمار والمعاناة التي لحقت بالمخيم وسكانه. حقق الفيلم شهرة عالمية ونال العديد من الجوائز، لكنه واجه حملة شرسة من السلطات الإسرائيلية، بما في ذلك دعاوى قضائية وغرامات مالية كبيرة.
على الرغم من الضغوطات، لم يتراجع بكري عن موقفه، وأصر على أن الفيلم يعكس الحقيقة كما رآها. أكد باستمرار أن الفن يجب أن يكون أداة للمقاومة وتوثيق التاريخ، وأن الفنان يتحمل مسؤولية أخلاقية تجاه مجتمعه وقضيته. هذا الموقف جعله شخصية محورية في النقاش حول حرية التعبير ودور الفن في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
رحيل الفنان **محمد بكري** يترك فراغاً كبيراً في المشهد الفني الفلسطيني. وسيظل اسمه مرتبطاً بالنضال من أجل الحرية والعدالة، وبالفن الذي يرفض الصمت والتحيز.
من المتوقع أن يشهد الأيام القادمة تنظيم فعاليات لتأبين الفنان بكري في مختلف المدن الفلسطينية والعربية. كما من المحتمل أن يتم عرض أفلامه ومسرحياته في المهرجانات السينمائية والمسرحية تكريماً لإرثه الفني والنضالي. وستظل أعماله قيد الدراسة والتحليل من قبل الباحثين والمهتمين بالقضية الفلسطينية والسينما العربية.















