في 13 نوفمبر الماضي، أطلقت منصة “نتفليكس” مسلسلها القصير المثير للجدل “وحش يسكن روحي” (The Beast in Me)، والذي سرعان ما تصدر قوائم المشاهدة وحقق نجاحًا ملحوظًا. المسلسل، الذي يطرح أسئلة عميقة حول النفس البشرية والحزن، جذب أكثر من 6.9 مليون مشاهد في الأيام الأربعة الأولى من عرضه، وحافظ على مكانة مرموقة ضمن قائمة أفضل 10 مسلسلات عالمية على المنصة. هذا النجاح يعكس اهتمامًا جماهيريًا كبيرًا بالقصص النفسية المعقدة، ويؤكد قدرة “نتفليكس” على تقديم محتوى متنوع ومثير للاهتمام.

“وحش يسكن روحي”: قصة نفسية مشوقة

تدور أحداث “وحش يسكن روحي” حول آغي ويغز، كاتبة تعاني من حالة إحباط شديد بعد فقدان ابنها، وتجد نفسها في دوامة من الشك والريبة بعد انتقال جار غريب الأطوار إلى منزلها المجاور. نيل غارفايس، هذا الجار الغامض، يحمل ماضياً مشوشًا وشائعات تلاحقه حول وفاة زوجته السابقة، مما يزيد من شكوك آغي ويجعلها تراقب سلوكه عن كثب. ما يبدأ كشك عابر يتحول تدريجيًا إلى هوس، ثم إلى علاقة صداقة غريبة وغير متوقعة بين شخصين متناقضين تمامًا.

هشاشة تربط بين شخصين متناقضين

لا يركز المسلسل على التحقيقات الجنائية التقليدية، بل يتعمق في عالم آغي النفسي المضطرب، مستكشفًا مشاعر الخوف والارتباك والذنب التي تعيشها. هذا النهج يضع المشاهد في قلب الصراع الداخلي للبطلة، ويدفعه إلى التساؤل: إلى أي مدى يمكن أن يدفعك الحزن إلى رؤية الوحش في نفسك أو في الآخرين؟ هذه العلاقة الغريبة بين آغي ونيل، المبنية على الهشاشة المشتركة، هي جوهر المسلسل، وتطرح تساؤلات حول طبيعة الوحش الحقيقي: هل هو الجار الغامض أم الأفكار المظلمة التي تتلاعب بعقل الكاتبة؟

تطور العلاقة بين آغي ونيل

مع تطور الأحداث، تنشأ صداقة غير مألوفة بين آغي ونيل، وهي امرأة مكسورة وحائرة تبحث عن معنى لحياتها، ورجل غامض وصامت يحمل أسرارًا دفينة. هذه العلاقة مبنية على ثلاثة مشاعر أساسية: الخوف، والارتباك، والإحباط. الخوف من بعضهما البعض يدفعهم إلى التقارب بحثًا عن الطمأنينة، والارتباك حول دوافعهم ورغباتهم يخلق جوًا من الغموض، والإحباط من حياتهم الشخصية يدفعهم إلى البحث عن انعكاس لأنفسهم في الآخر. هذه الديناميكية المعقدة هي ما يجعل المسلسل جذابًا، فهي ليست قصة حب رومانسية ولا تحقيقًا بوليسيًا، بل هي رابطة نفسية عميقة بين روحين مضطربتين. مسلسلات نتفليكس غالبًا ما تقدم هذا النوع من القصص المعقدة.

سيناريو متذبذب الأداء

بدأ المسلسل ببناء متين للتوتر والإثارة النفسية، حيث كانت الحلقات الأربع الأولى تتميز بإيقاع منضبط وشكوك متصاعدة. كل حلقة كانت تنتهي بنقطة تحول تجعل المشاهد يتساءل عن كل ما سبق. تميز السيناريو بالتركيز على منظور آغي، مما جعل المشاهد يعيش تجربتها بكل تفاصيلها، واستخدام حوارات نفسية عميقة تعتمد على الإيحاء والتلميح. ومع ذلك، مع منتصف المسلسل، بدأ السيناريو يفقد بوصلته، حيث ظهرت خطوط جانبية وقصص فرعية أضعفت التركيز على العلاقة الرئيسية بين آغي ونيل. اتساع نطاق القصة وتحول التركيز إلى قضايا خارجية أدى إلى فقدان “الحميمية النفسية” التي كانت جوهر العمل.

نقاط القوة والضعف في السيناريو

السيناريو في بدايته كان يتميز بثلاثة عناصر قوية: التركيز على منظور آغي، والحوارات النفسية العميقة، والاقتصاد في تقديم المعلومات. هذه العناصر خلقت جوًا من التوتر والغموض جعل المشاهد دائم الشك والترقب. لكن مع تطور الأحداث، بدأ السيناريو في التصريح أكثر مما يلمح، وفقد القدرة على الإثارة والتشويق. النهاية جاءت متوقعة، ولم ترتق إلى مستوى التوتر النفسي الذي بناه المسلسل في بدايته. الدراما النفسية تتطلب دقة في التفاصيل.

أداء تمثيلي متميز

على الرغم من تذبذب السيناريو، قدم كل من كلير دانس وماثيو رايس أداءً تمثيليًا متميزًا طوال المسلسل. دانس أبدعت في تجسيد دور آغي الكاتبة المحطمة، فيما قدم رايس شخصية نيل الإجرامية ببراعة، مع الحفاظ على الغموض والجاذبية. هذان الأداءان رفعا من مستوى المسلسل وعوضا الكثير من ثغرات النصف الثاني، وأضفيا عليه بعدًا إنسانيًا لا يمكن تجاهله.

في الختام، “وحش يسكن روحي” هو مسلسل مثير للاهتمام يستحق المشاهدة، خاصة لمحبي القصص النفسية المعقدة. على الرغم من بعض العيوب في السيناريو، إلا أن المسلسل يتميز بأداء تمثيلي متميز وقصة مشوقة تطرح أسئلة عميقة حول النفس البشرية والحزن. ندعوكم لمشاهدة المسلسل ومشاركة آرائكم حوله.

شاركها.
اترك تعليقاً