ودّعت الساحة الثقافية اليوم شاعرها وفيلسوفها المتأمل مسفر الدوسري، الذي غادر عالمنا تاركًا وراءه إرثًا شعريًا وإنسانيًا فريدًا، أشبه بمرآة عميقة تعكس أوجاع الروح وأحلامها المنكسرة. برحيله، ينكسر في المشهد الثقافي والإعلامي نبضٌ عميق، لطالما كان مصدرًا للبهجة والتساؤل، ولطالما كتب بنبض المتأمل الذي يرى في الحب أكثر من مجرد مشاعر، وفي الحياة أكثر من مجرد لحظات عابرة.

مسفر الدوسري الذي عانى المرض في أيامه الأخيرة لم يكن شاعرًا فقط، بل كان صوتًا إنسانيًا يصر على إشراك الآخر في رحلة الوجود.

كان يرى أن الاكتشاف الحقيقي يكمن في مساحة “الائتلاف” لا الاختلاف، تلك المساحات التي تؤنس وحدتنا وتعيد تشكيل واقعنا الثقيل. يؤمن بأن الذكاء يكمن في اكتشاف مساحة الائتلاف في الآخر مهما صغرت لا مساحة الاختلاف، لأن الأخيرة لا تحتاج إلى ذكاء لاكتشافها، فهي موجودة كطبيعة في الخلق.

هذا الإيمان بالحوار والارتباط الإنساني تجلى في كل تفاصيل حياته، وفي كل كلمة نسجها قلمه، سواء على صفحات الشعر أو الصحافة.

بين الشعر والصحافة.. ثنائية فقدها المشهد الثقافي

رحيل الدوسري ليس مجرد غياب لشاعر، بل هو فقدان لرمز ثقافي أسهم في تشكيل وعي أجيال من القراء والمتذوقين. بدأ مسيرته في بناء جسور جديدة بين الشعر الشعبي والحداثة، فكان أحد أبرز رواد القصيدة العامية الذين أعادوا تشكيلها بلغة تحمل أوجاع الإنسان وهمومه اليومية.

أما في الصحافة، فقد كان مسفر الدوسري أحد الأعمدة التي أسست مجلات شعبية رائدة، حيث ساهم في صياغة رؤية جديدة للإعلام الثقافي، مازجًا بين الأصالة والإبداع. لكنه، رغم كل هذا، كان زاهدًا في ألقاب الصحافة، واصفًا نفسه بأنه “محب للصحافة”، محاولًا دائمًا أن يقدمها كمساحة تشاركية مع القارئ، لا مجرد مهنة أو منصة للتعبير.

لم يكن الدوسري شاعرًا يكتب عن الحب بمعناه السطحي، بل كان يعيشه كتجربة وجودية تُثقل الروح بوجع الأسئلة وجماليات الألم. كان يرى في الحب رحلة إلى نضج الإنسان وتفرده.

برحيل مسفر الدوسري خسرنا شاعرًا ومثقفًا لم يكن ينظر إلى الحياة إلا من زاوية التأمل العميق والارتباط الإنساني. يظل إرثه الشعري والفكري شاهدًا على إنسانية لا تعرف الحدود، وعلى روح استطاعت أن تجعل من الكلمة وطنًا للروح.

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.