من اللافت في المشهد الثقافي عربياً أن الأضواء تتدافع، والإعلام يتسابق، والمؤسسات تنطلق، وراء الشخصيات الأدبية المحظوظة بحصدها الجوائز، علماً أن بعضها يسكن الظلّ أعواماً، دون أي التفاتة أو عناية، وفي وهج الفرح بالاهتمام المتزامن مع الفوز بجائزة، وربما يقع القارئ في حيرة من أمره، فالبعض تعنيه الكتابة التي تلامس وجدانه، فيما يميل آخرون للعمل المُزكّى بالتكريم والفوز، وهنا استطلاع رأي نخبة، حول هذه الاشكالية القائمة، في محاولة لإعادة الاعتبار للكاتب النوعي سواء حصل على جائزة أو حُرِم منها، فيرى الكاتب هاشم الجحدلي أن الجوائز وملابساتها غدت موضوع الساعة في مشهدنا الثقافي العربي؛ لأسباب منها أن الجائزة في أصلها العربي كانت تكريماً على تألق متفرّد من طرف مؤهل للتقييم ويملك القدرة على المنح، لافتاً إلى أنه مع الوقت تغيّرت السياقات وغدا الفوز انتزاعاً من حلبة تنافسية لها حكام ورعاة ومانحون، ثم آلت الأمور إلى صيغة لا يمكن القبض عليها، فصارت «الجائزة» فعلاً ملتبساً له عشرات المعاني والحالات والتأويلات.

وأوضح الجحدلي أن جائزة نوبل مهما شابها من تعثر وسوء تقدير وتوجيه مستفز إلا أنها جائزة معتبرة، تعطي للأديب قيمتين معنوية ومادية، وربما في حالات كثيرة تكون المعنوية أكبر بتسليطها الأضواء على الفائز ونتاجه بشكل يفوق التصور وبكل لغات العالم، ما يدفع الإعلام والمؤسسات للتزاحم على باب الفائز حدّ تذمّره، من الحفلات الإضافية التي تبني مجدها على وهج الفوز، مضيفاً أن الروائي الكبير نجيب محفوظ عقب فوزه بجائزة نوبل، وانهمار الفلاشات عليه، وكثرة طلبات الإعلاميين لمقابلاته قال: «يبدو أنني صرت موظفاً عند نوبل!». وأضاف: ليست كل الجوائز لها هذه الأصداء فهناك جوائز قيمتها المادية/‏ المالية كبيرة ولكن على أرض الواقع لا معنى ولا أحد يتباهى بها، ويشارك بها الأدباء لكسب مغانمها، مؤكداً أن الجوائز العربية التكريمية أصدق كونها غالباً تمنح لمستحق مع ندرتها، مشيراً إلى أن هناك الجوائز التي ترتبط بجهة أو لجان وكلما تغيرت اللجان تتغير هويتها وتتحول إلى جائزة مختلفة مثل جوائز معارض الكتب السنوية أو المهرجات.

وعدّ بعض الجوائز هبات أو منحاً، تلبس رداء المسابقات أو الترشيحات، ومثلها جوائز تفصّل بمقاس من تُمنح له، دون أن يعرف أحد لماذا؟ ولكنها تحدث دوياً لمدة شهرين تقريباً والشاطر من يبهر المؤسسات التي يعمل تحت مظلتها على أهميتها وأهميته. ويرى الجحدلي أن منح الجوائز بهذا التركيبة يغدو شكلاً من العبث والفوضى وفرصة سانحة لا يفوّتها قناص الفرص.

فيما ذهب الشاعر جاسم الصحيّح إلى أن الجوائز محطات تكريمية عابرة على طريق الإبداع الذي لا ينتهي ولا يتوقف، مؤكداً أن الأديب الذي يعمل بجدّ على تطوير تجربته يستحق الفوز بالجوائز التكريمية. والسؤال هنا: هل تتعامل المؤسسات الثقافية مع الأديب بشكل مغاير بعد أن يفوز بجائزة؟!

ولفت الصحيّح إلى أنّ بعض الأدباء يعيشون في الظل ويكبرون فيه ويتألقون أيضاً.. وعندما يفوز أحدهم بجائزة كبرى، يلفت النظر إلى منجزه، وتحتفي به المؤسسات الثقافية، وتزحف إليه الدعوات للمشاركة في المهرجانات المتنوعة، وبذلك يستطيع تحقيق حضوره في المشهد بسرعة.. وهذا أمر طبيعي.

وأضاف: المسابقات كثرت الآن، منها ما هو مرتبط بالمحلية، ومنها ما هو مرتبط بالوطن العربي، ومنها ما هو مرتبط بالعالمية، وعدّ مطاردة المؤسسات الأديب عقب فوزه لتجيير منجزه لها، غير دقيق؛ كون هناك مؤسسات تدعم الأديب من بدايته، وتشارك بمنجزه في المسابقات الأدبية، ويرى أن من حقها عند الفوز أن تعتبر نفسها شريكاً معنويّاً في هذا الفوز، وليس شريكاً ماديّاً.

فيما ذهبت الشاعرة اللبنانية عبير حسن علّام إلى أنَّ مِنَ القيِّمين على المؤسسات الثقافية والإعلامية من لا يُتابع الأدباء وإصداراتهم. لا يواكبهم، ولا يلقي بالاً لموهبتهم وتميُّزهم، مؤكدةً أن الاهتمام مُنصَبّ على المردود المادِّي وعلى ركوب موجة الترند. مضيفة أنَّ مما يزعج أنَّ هذه المؤسسات عينها تولي كلَّ اهتمامها فجأةً -وبتوجيهٍ من القائمين عليها- بالأديب الذي كان مغموراً قبل الجائزة، أو الذي لم تكن قبلها تلقي لهُ بالاً. ويحصل ذلك للأسباب التجارية عينها ولركوب موجة الترند مرَّةً أخرى.

فيما يرى الخبير الثقافي الدكتور أحمد سماحة، أنه لا يستطيع أن يؤكد ذلك، فأحياناً تنتبه المؤسسات عقب نشر الإعلام وأحياناً ينتبه الإعلام، إثر المؤسسات، عبر رؤى وحوارات وتغطية الفعاليات التي يشارك فيها الكاتب وأحياناً كثيرة يضحي الأمر مجرد حدث شأن باقي الأحداث الثقافية. وأضاف: على سبيل المثال فاز كاتب روائي مصري أخيراً بجائزة البوكر ما لفت نظر الإعلام الذي لم يتابع إبداعاته ونشاطاته الثقافية قبل ذلك، وسُلّطت عليه الأضواء لفترة وانتهى الأمر، وحمّل الكاتب مسؤولية كونه يكتب وينشر عبر دائرة محدودة رغم انتشار وسائل الاتصال ومنها الفيس بوك وتويتر وغيرهما، وانتشار الجهات الثقافية الخاصة والعامة منها المنتديات وجمعيات الثقافة واتحادات الكتاب، وتطلّع إلى أن تضطلع وسائل الإعلام وأقسام الثقافة بمتابعة الحركة الثقافية بكل جوانبها، وأضاف: عندما يقوم كل كيان بدوره يضحي الأمر طبيعياً، وتتأكد أهمية الثقافة والإبداع في النهضة الشاملة للمجتمع.

أسامة المسلم: الاعتراف الخارجي أسهم في لفت الأنظار إلينا

وأضاف سماحة: أنه بالنسبة لما يتعلق بالحفاوة والتكريم، كانت هناك حفاوة كبيرة جداً في جميع المعارض والبلاد والمدن العربية التي زرتها من قِبل القراء الأعزاء وكذلك المنظمين لهذه المعارض، وتشرفت في عدد منها بدعوة خاصة للقاء وزراء الثقافة فيها، وحظيت بدعوات تكريم وتقدير من سفاراتنا السعودية في هذه الدول، إلا أن جائزة وزارة الثقافة للأدب لعام 2024 هي الأهم بالنسبة لي من حيث الاحتفاء والتكريم اللذين سعدت بهما جداً؛ لأنهما صادران من أهم جهة ثقافية في بلادي، وكانت لكلمات التشجيع والإشادة أثناء استلامها من وزير الثقافة الأمير بدر بن فرحان أثر بالغ جداً في نفسي، وحظيت باهتمام ودعوات كريمة للمشاركة في كثيرٍ من الفعاليات التي تقيمها وزارة الإعلام، واهتمام شخصي من الوزير سلمان الدوسري، ووكيل الوزارة الدكتور عبدالله المغلوث، ما كان له أثر عميق في دعمي وتشجيعي على مواصلة الإنتاج في مساري الكتابي.

وعن لفت الخارج انتباه الداخل، ففيما يتعلق بالقراء والمجتمع القرائي كنت معروفاً لديهم بشكل كبير وفي جميع حفلات التوقيع؛ التي تقام داخل المدن السعودية سواء في معارض الكتاب أو المكتبات الخاصة، كانت تكتظ القاعة بالزوار، وتمتد حفلات التوقيع لساعات طويلة جداً، نضطر معها أحياناً لتمديد الوقت إلى ساعات الصباح الأولى، وهذا موضع تقدير وامتنان كبير مني لهم، أما بعض الأوساط الثقافية والإعلامية، فيمكن القول إن الاعتراف الخارجي أسهم في لفت أنظارهم، ربما لأن هذه الأوساط لا تواكب دائماً اهتمامات الجيل الجديد، وبالتالي لا تلتقط ما يستوقف القارئ المعاصر إلا عقب أن يثبت حضوره في مساحة أوسع.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
اترك تعليقاً