ثمّة تاريخٌ في الذاكرة الخليجية يشبه ندبةً على جبين الغناء والدراما الخليجية، يصادفه غداً في ذكرى 11 أغسطس. اليوم الذي بدا كأن الزمن اختبر فيه هشاشتنا مرتين؛ حين توقّف قلبُ الفن وخطف صوته وبسمته معاً، برحيل هَرَمين من أهرام الإبداع الخليجي، تركا فراغاً لم يملؤه بعدهما إلّا الصمت.
في 11 أغسطس 2000، صعد طلال مدّاح إلى خشبة المفتاحة في أبها، يغنّي كما لو كان يودّع العمر بأناةٍ ووقار.
كانت لحظةٌ خاطفة، انحنى فيها الجسد محتضناً عوده، فلامسَتِ الأسطورةُ نهايتَها على المسرح الذي أحب، أمام جمهوره الذي حمل الصدمةَ في عيونٍ دامعة ووجع لا ينسى، وعاد بعد سنوات إلى مسرح حمل اسمَه تكريماً لمن جعل من الخشبة وطناً للصوت، فصار مسرح طلال مدّاح شاهداً على أنّ الفنّ يرحل واقفاً ولا يموت.
وفي 11 أغسطس 2017، أعاد القدرُ الوجع من لندن مرّة أخرى. حيث توقّف قلب هرم الدراما الخليجية عبدالحسين عبدالرضا بعد معاناةٍ مع المرض، فانطفأ قنديلُ الدراما الذي أضاء لسنواتٍ أرواح البيوت الخليجية.
رجلٌ صاغ للضحكة مقاماً، وللسخريةِ حكمةً مُستندةً إلى نباهةٍ اجتماعية لم تُهادِن، وحين أسدل الستارُ الأخير، بدا كأنّ زمناً بكامله طوى صفحته.
بين الوقفتين، يتبدّى المعنى: ليس التزامنُ محضَ مصادفةٍ في التقويم، بل القدر حين يختار اليومَ نفسه ليجرّب مرارة الفقد. توقف قلبُ صوت الأرض على المسرح، وتوقّف قلبُ الممثّل بعيداً عن الخشبات، فتوّحدت الإشارة: قلب الفن توقّف في 11 أغسطس. ومع ذلك، تبقى الذاكرةُ صلبةً كأنّها صرحٌ ثالث لهذين الهَرَمَيْن؛ تُخلِّد صوتَ طلال في مسرحٍ يحمل اسمه في أبها، وتُستعاد ملامحَ «أبو عدنان» في مسرح يحمل اسمه في الرياض، وتكريماتٍ حاضرةٍ في المشهد لخليجي، تستلهم أثرهما وتُبقيهما في المخيلة.
وهكذا، كلّما عاد 11 أغسطس، ارتفعت يدُ الذاكرة إلى صدرها لتتحسّس نبضاً مفقوداً، وتقول: هنا خفق قلبُ الفن.. وهنا توقّف، مرتين.
أخبار ذات صلة