يعاني قطاع الزراعة في سوريا من تحديات جمة، وفي مقدمتها الجفاف الذي يهدد الأمن الغذائي ويتسبب في خسائر فادحة للمزارعين. لم يشهد البلد موجة جفاف مماثلة منذ أربعة عقود، مما يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة للتخفيف من آثاره السلبية. هذا المقال يسلط الضوء على أسباب هذا الجفاف، وتأثيراته على المزارعين والمحاصيل، والجهود المبذولة لمواجهته.
أزمة الجفاف في سوريا: نظرة عامة
يشهد قطاع الزراعة السوري تدهوراً متسارعاً بسبب الجفاف الحاد الذي يضرب البلاد. يعزى هذا الجفاف إلى عدة عوامل، أبرزها التغيرات المناخية، وتراجع معدلات هطول الأمطار، وانخفاض منسوب المياه الجوفية. هذه العوامل مجتمعة أدت إلى جفاف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، مما أثر بشكل كبير على إنتاج المحاصيل الأساسية.
المزارعون هم الأكثر تضرراً من هذه الأزمة، حيث يواجهون صعوبات كبيرة في تأمين مياه الري، وتغطية تكاليف الإنتاج المتزايدة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تغير المناخ يهدد سبل عيشهم ويجبر الكثير منهم على الهجرة بحثاً عن فرص أفضل.
تأثير الجفاف على المحاصيل الزراعية
تأثرت جميع أنواع المحاصيل الزراعية في سوريا بالجفاف، ولكن المحاصيل البعلية (التي تعتمد على مياه الأمطار) كانت الأكثر تضرراً. فقد شهدت هذه المحاصيل انخفاضاً حاداً في الإنتاجية، حيث تضرر ما يقرب من 95% من القمح البعل بشكل شبه كامل.
أما المحاصيل المروية (التي تعتمد على الري الصناعي) فقد تراجعت إنتاجيتها أيضاً بسبب نقص المياه وارتفاع تكاليف تشغيل المضخات. تشير التقديرات إلى أن إنتاج القمح انخفض بنحو 40% خلال موسم 2025، مما أدى إلى فجوة تقدر بين 2.5 و2.7 مليون طن في الإنتاج المحلي. هذا النقص يهدد الأمن الغذائي لنحو 16 مليون شخص في سوريا، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.
تأثير الجفاف على الأراضي الزراعية والمياه الجوفية
لم يقتصر تأثير الجفاف على المحاصيل الزراعية فحسب، بل امتد ليشمل الأراضي الزراعية والمياه الجوفية. فقد خرجت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية من دورة الإنتاج، وتراجعت مستويات المياه الجوفية بشكل ملحوظ بسبب الاستنزاف العشوائي وحفر الآبار غير المنتظم.
كما أن بعض الأنهار والبحيرات جفت بشكل كامل، مثل نهر العاصي وبحيرة زرزر، مما فاقم من أزمة المياه. هذا الوضع يهدد بتصحر الأراضي الزراعية وتدهور البيئة بشكل عام.
الإجراءات الحكومية والدعم الدولي
تبذل الحكومة السورية جهوداً لمواجهة أزمة الجفاف، بالتعاون مع المنظمات الدولية. وتتركز هذه الجهود على تأهيل شبكات الري السطحية، والتوسع في تطبيق الزراعة الحافظة التي تقلل من فقدان المياه، وتشجيع إدخال أنماط الزراعة المستدامة.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل الحكومة على إنتاج أصناف زراعية متأقلمة مع التغيرات المناخية، وتنفيذ برامج تدريب للمزارعين لتمكينهم من تبني ممارسات أكثر كفاءة في استخدام المياه.
دور منظمة الأغذية والزراعة (فاو)
تلعب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) دوراً هاماً في دعم القطاع الزراعي في سوريا. فقد عقدت المنظمة عدداً من ورشات العمل لتعويض النقص الناجم عن الجفاف وتدهور البنية التحتية، وأطلقت مشاريع مختلفة في محافظات مختلفة، مثل مشروع “حصاد نبات زهر النيل” الذي يستنزف مياه الأنهار.
كما تقدم فاو الدعم المادي والسلل الغذائية للمزارعين المتضررين في عدد من المناطق. هذا الدعم يساعد المزارعين على تجاوز هذه الأزمة الصعبة والاستمرار في إنتاج الغذاء.
مستقبل الزراعة في سوريا في ظل الجفاف
إن الجفاف يمثل تحدياً كبيراً لمستقبل الزراعة في سوريا. فإذا استمر هذا الوضع، فإن ذلك سيؤدي إلى تدهور القطاع الزراعي وزيادة الاعتماد على الاستيراد، مما يهدد الأمن الغذائي للبلاد.
لذلك، من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة للتخفيف من آثار الجفاف، وتعزيز القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية. يجب على الحكومة والمزارعين والمنظمات الدولية العمل معاً لإيجاد حلول مستدامة لهذه الأزمة، وضمان مستقبل أفضل للزراعة في سوريا.
في الختام، يمثل الجفاف تحدياً وجودياً للقطاع الزراعي السوري. يتطلب التصدي لهذا التحدي جهوداً متضافرة واستثمارات كبيرة في البنية التحتية الزراعية، والبحث العلمي، وتطوير ممارسات زراعية مستدامة. من خلال العمل معاً، يمكننا حماية سبل عيش المزارعين وضمان الأمن الغذائي لسوريا.















