إسطنبول- بعد فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، تحدثت تقارير عن عزم الرئيس إعادة تسليم دفة الاقتصاد لوزير المالية الأسبق محمد شيمشك، وهو ما قد يشير إلى تحول في النموذج الاقتصادي الحالي الذي تتبعه الحكومة.
أردوغان أكد أن أولوية الحكومة الجديدة -المتوقع أن يعلن عنها يوم الجمعة المقبل- ستكون حل مشكلة التضخم في البلاد، والاستمرار في معالجة آثار زلزال السادس من فبراير/شباط الماضي المدمر.
وقال الرئيس التركي، في خطاب النصر الذي ألقاه من المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة أمام حشد من أنصاره، “سنخصص كل ما نملك لخدمة الشعب التركي، وتضميد آثار الزلزال”، مؤكدا عزمه على خفض نسبة التضخم “كما تم تخفيض نسبة الفائدة”.
كما أكد أن تركيا لا بد أن تمتلك اقتصادا إنتاجيا، وعبر عن فخره بعدم لجوء حكومته إلى طلب قروض من صندوق النقد الدولي، بعد أن سددت آخر ديونها عام 2013.
تأثير الفوز على أسواق المال
ومع أول افتتاح للأسواق المحلية والعالمية بعد الانتخابات، برزت مؤشرات متضاربة نتيجة توقعات الأسواق لنوع من التغيير في السياسات المالية، فارتفع مؤشر بورصة إسطنبول صباح الاثنين 29 مايو/أيار 2023 بنسبة 3.9%، مدفوعا بارتفاع أسهم شركات البناء والتصدير وكذلك أسهم الخطوط الجوية التركية.
وأعلن معهد الإحصاء التركي أن مؤشر الثقة الاقتصادية في البلاد وصل مايو/أيار الجاري إلى أعلى مستوى له خلال السنوات الخمس الماضية مسجلًا 103.7 نقاط.
في المقابل، هبطت الليرة التركية مع افتتاح جلسات التداول في الأسواق العالمية فجر الاثنين أكثر من 0.5% إلى مستوى 20.18 مقابل الدولار الأميركي، قبل أن تستقر لاحقًا في مستويات 20.09 ليرة. وكانت العملة أغلقت يوم الجمعة الماضي قبل الانتخابات عند 19.97 ليرة مقابل الدولار الواحد.
وحذر بنك “مورغان ستانلي”، في تقرير أصدره بعد ظهور نتائج الانتخابات التركية، من أن الليرة التركية معرضة لخطر التراجع بنسبة 29% حال مضي الرئيس رجب طيب أردوغان بسياسته في إبقاء أسعار الفائدة منخفضة.
وتوقع محللو البنك أن تنخفض قيمة الليرة التركية لتصل إلى 26 ليرة مقابل الدولار الواحد في وقت قريب، وأن تصل لمستوى 28 ليرة مقابل الدولار الواحد مع نهاية العام الجاري.
سياسات نقدية ومالية مشددة
يعتقد أستاذ الاقتصاد في جامعة غازي عنتاب التركية إبراهيم أرسلان أن أكبر مشكلة يعاني منها الاقتصاد التركي حاليا هي التضخم، ويرى أن الرئيس التركي سيتخذ إجراءات قوية لتخفيضه عبر تنفيذ سياسة نقدية ومالية مشددة.
وقال في حديثه -للجزيرة نت- إنه من المتوقع أن يتم تغيير وزير المالية، وانتهاج سياسات ليبرالية من شأنها تسهيل تدفقات النقد الأجنبي، والعمل على تحقيق استقرار سياسي لتأمين الاستقرار الاقتصادي.
وعن الأدوات التي تستخدمها الحكومة لتحقيق اقتصاد الإنتاج الذي تحدث عنه أردوغان، رجح الخبير الاقتصادي أن تنفذ أنقرة برامج دعم المنتجات الإستراتيجية التي تعتمد على الخارج وتحويلها لصناعات محلية، بالإضافة إلى اتخاذ تدابير إضافية لزيادة معدلات التشغيل وخفض معدلات البطالة.
هل يعود محمد شيمشك؟
من جانبها، نقلت وكالة رويترز عن مصادر تركية مطلعة أن الرئيس التركي التقى وزير المالية الأسبق محمد شيمشك الذي ظهر في أحد التجمعات الانتخابية بجانبه.
كما نقلت صحيفة “ديلي صباح” التركية عن مصادر إعلامية أن الرئيس التركي التقى شيمشك -الذي سبق أن شغل منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية بين عامي 2015 و2018- أول أمس الاثنين، في حين رد المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم قالن على أسئلة بشأن تعيين الوزير السابق شيمشك في الحكومة الجديدة قائلا إن شيمشك “أعرب عن دعمه غير المباشر لهذه العملية، وسيواصل المضي قدما”.
وبعد فوز أردوغان التاريخي في جولة الإعادة الرئاسية الأحد الماضي هنأه شيمشك -في تغريدة عبر حسابه على تويتر- قائلا “أهنئ رئيسنا رجب طيب أردوغان الذي أعيد انتخابه بدعم قوي من شعبنا في مسيرته السياسية التي استمرت ربع قرن، وأتمنى التوفيق لرئيسنا في خدمته لأمتنا، وأتمنى أن يحمل العصر الجديد كل التفاؤل لبلدنا والعالم”.
ونقلت وسائل إعلام تركية عن الصحفي عبد القادر سلفي اليوم الأربعاء أن أردوغان اجتمع بشيمشك، لمناقشة إمكانية إدارته الملف الاقتصادي في الفترة المقبلة، مشيرا إلى أن الأخير شدد على أهمية منحه صلاحيات واسعة في اختيار فريقه والقرارات التي سيتخذها خلال عامين حتى يتمكن من ضمان إيصال الاقتصاد إلى “بر الأمان”.
وبحسب المصدر ذاته، فإن الخلاف الأبرز بين أردوغان وشيمشك يتعلق بنسبة الفائدة، إذ يتمسك الرئيس بضرورة خفضها، فيما يرى وزير المالية السابق حاجة ملحة لرفعها عندما تقتضي الضرورة.
وسبق لشيمشك أن شغل منصب وزير المالية بين عامي 2009 و2015، فحقق نجاحات دفعت مجلة “فورين بوليسي” (Foreign Policy) الأميركية لاختياره ضمن أقوى 500 شخصية في العالم سنة 2013، في حين اعتبرته مجلة “إيميرجينغ ماركتس” (Emerging Markets) أفضل وزير مالية للاقتصادات الأوروبية الناشئة في السنة ذاتها.
خطوة مشجعة
من ناحيتها، اعتبرت وكالة بلومبيرغ أن عودة شيمشك المحتملة، بالإضافة إلى تشكيل فريق يحظى بمصداقية دولية، ستكون “خطوة مشجعة للاستثمار الأجنبي قد تلقى صدى إيجابيا واسعا”.
ورجح أستاذ الإدارة المالية في أكاديمية باشاك شهير بمدينة إسطنبول التركية فراس شعبو أن محمد شيمشك سيقبل العودة لتولي الحقيبة الاقتصادية إذا تحققت الحرية الكاملة لأسواق المال، مؤكدا أن الهدف هو محاولة طمأنة المستثمرين والشركات الأجنبية.
مزيد من الوقت
من جانبه، استبعد الأكاديمي والباحث الاقتصادي حدوث تغيير فوري في الوضع الاقتصادي التركي، قائلا “نحتاج سنتين على الأقل حتى نشهد تغييرا ملحوظا”.
وأكد أن برنامج الودائع المحمية سيستمر، وبالتوازي مع ذلك ستعمل الحكومة على محاولات ضبط الأسعار وزيادة الإنتاج وخفض معدلات البطالة. كما توقع أن تعمل الحكومة على مضاعفة جهودها لزيادة الاحتياطات المكتشفة من الغاز والنفط.