في الأشهر الأخيرة، بدأت تظهر علامات تباطؤ اقتصادي واضحة في الصين، مما يثير قلقًا متزايدًا حول مستقبل ثاني أكبر اقتصاد في العالم. هذا التباطؤ، الذي يتجلى في ضعف الإنفاق الاستهلاكي وتراجع الاستثمار واستمرار أزمة القطاع العقاري، يضع ضغوطًا كبيرة على الحكومة الصينية لإيجاد حلول مستدامة. يركز هذا المقال على تحليل أسباب هذا التباطؤ الاقتصادي في الصين، وتأثيراته المحتملة، والخطوات التي تتخذها بكين لمواجهته.

أرقام تكشف عن تراجع واسع النطاق

أظهرت البيانات الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء الصيني تراجعًا ملحوظًا في عدة مؤشرات اقتصادية رئيسية خلال شهر نوفمبر. مبيعات التجزئة، وهي مقياس رئيسي للإنفاق الاستهلاكي، سجلت نموًا سنويًا بنسبة 1.3% فقط، وهو أدنى مستوى لها منذ عام 2022. هذا التراجع يعكس ضعف الثقة لدى المستهلكين وقدرتهم الشرائية.

بالإضافة إلى ذلك، تباطأ نمو الإنتاج الصناعي إلى 4.8% على أساس سنوي، في حين تعمق تراجع الاستثمار في الأصول الثابتة ليصل إلى 2.6% خلال الفترة من يناير إلى نوفمبر. ويعتبر هذا الانخفاض في الاستثمار مقلقًا بشكل خاص، حيث أنه يشير إلى ضعف في الثقة في المستقبل الاقتصادي.

أزمة القطاع العقاري تزيد الطين بلة

يستمر القطاع العقاري في الصين في مواجهة أزمة حادة، حيث انخفضت الاستثمارات بنسبة 15.9% خلال الأشهر الـ11 الأولى من العام. كما انخفض متوسط أسعار المنازل في 70 مدينة صينية بنسبة 2.8% في نوفمبر مقارنة بالعام الماضي. هذه الأزمة تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الصيني، حيث أن القطاع العقاري يمثل جزءًا كبيرًا من الناتج المحلي الإجمالي.

الصادرات القوية تخفي هشاشة داخلية

على الرغم من التباطؤ الداخلي، حققت الصين فائضًا تجاريًا قياسيًا بلغ تريليون دولار خلال الأشهر الـ11 الأولى من العام، مما يعكس قوة الصادرات الصينية. ومع ذلك، تشير وول ستريت جورنال إلى أن أسعار المنتجين ظلت في المنطقة السلبية لأكثر من 3 سنوات متتالية، مما يعكس ضغوطًا انكماشية داخلية مستمرة. هذا التناقض بين الصادرات القوية والضعف الداخلي يثير تساؤلات حول مدى استدامة النمو الاقتصادي الصيني.

الاعتماد الكبير على الصادرات، على الرغم من أهميته، لا يمكن أن يكون المحرك الوحيد للنمو. كما حذرت رئيسة صندوق النقد الدولي، فإن الصين “كبيرة جدًا بحيث لا يمكنها الاعتماد على الصادرات وحدها لتحقيق النمو”. هذا التحذير يسلط الضوء على الحاجة إلى تنويع مصادر النمو وتعزيز الطلب المحلي.

تحديات الطلب المحلي والتحول الاقتصادي

يشير تحليل وول ستريت جورنال إلى أن تباطؤ مبيعات التجزئة للعام السادس على التوالي يعكس تراجعًا هيكليًا في الطلب الاستهلاكي. هذا التراجع يمثل تحديًا كبيرًا للحكومة الصينية، حيث أن تعزيز الطلب المحلي يعتبر أمرًا ضروريًا لتحقيق نمو اقتصادي مستدام.

بالإضافة إلى ذلك، يواجه الاقتصاد الصيني تحديات في التحول من نموذج يعتمد على الاستثمار والتصدير إلى نموذج يعتمد على الاستهلاك المحلي والابتكار. هذا التحول يتطلب إصلاحات هيكلية عميقة وتغييرًا في الأولويات الاقتصادية. التحول الاقتصادي في الصين ليس بالأمر السهل، ويتطلب تخطيطًا دقيقًا وتنفيذًا فعالًا.

وعود حكومية وأولويات مستقبلية

تعهد القادة الصينيون بإعطاء أولوية لدعم الطلب المحلي في عام 2026، حيث قال مسؤولون في مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي الأسبوع الماضي إنهم سيعملون على تعزيز الاستهلاك ورفع دخول الأسر. كما تعهدت السلطات باتخاذ إجراءات لتحقيق الاستقرار في الاستثمار عبر سياسات الحكومة المركزية، وتشجيع الاستحواذ على مخزون المساكن القائمة لتحويلها إلى إسكان ميسّر.

ومع ذلك، لا تزال التوصيات الخاصة بالخطة الخمسية المقبلة تضع التكنولوجيا المتقدمة والتصنيع المتطور وتعزيز الاكتفاء الصناعي الذاتي في صدارة أولويات الاقتصاد الصيني حتى نهاية العقد. هذا يشير إلى أن الحكومة الصينية لا تزال تولي أهمية كبيرة للقدرات الصناعية، على الرغم من التحديات الداخلية المتزايدة. السياسة الاقتصادية في الصين تتسم بالتعقيد والتوازن بين الأهداف قصيرة الأجل وطويلة الأجل.

الخلاصة

إن التباطؤ الاقتصادي في الصين يمثل تحديًا كبيرًا للحكومة الصينية والاقتصاد العالمي. يتطلب مواجهة هذا التحدي اتخاذ إجراءات فعالة لتعزيز الطلب المحلي، وإصلاح القطاع العقاري، وتنويع مصادر النمو. على الرغم من التحديات، لا تزال الصين تمتلك إمكانات كبيرة للنمو والتطور، ولكن تحقيق هذه الإمكانات يتطلب تخطيطًا دقيقًا وتنفيذًا فعالًا للسياسات الاقتصادية. من الضروري متابعة التطورات الاقتصادية في الصين عن كثب، وفهم التحديات والفرص التي تواجهها، لتقييم تأثيرها المحتمل على الاقتصاد العالمي.

شاركها.
اترك تعليقاً