ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن البيت الأبيض يستعد لتوقيع أول تشريع وطني شامل ينظم سوق العملات الرقمية في الولايات المتحدة، في خطوة تاريخية تمثل تحولًا جذريًا في تعامل واشنطن مع هذا القطاع الذي كان حتى وقت قريب يوصف “بالهامشي”.
فقد صادق مجلس النواب الأميركي مساء أمس الخميس على “قانون العبقرية” (Genius Act)، ومن المرتقب أن يوقعه الرئيس دونالد ترامب رسميًا اليوم الجمعة، ليصبح بذلك أول إطار فدرالي صريح ينظّم التعامل “بالعملات المستقرة”، وهي نوع من العملات الرقمية المدعومة بأصول تقليدية مثل الدولار الأميركي أو السندات منخفضة المخاطر.
وتشير بي بي سي إلى أن القانون يشكل أحد ثلاثة مشاريع تشريعية كبرى تدعمها إدارة ترامب بوضوح، رغم أنه كان من بين أبرز من انتقدوا العملات المشفّرة سابقًا، واصفًا إياها “بالخدعة”، قبل أن يبدّل موقفه في ضوء الدعم المالي والسياسي الكبير الذي حصل عليه من هذا القطاع خلال الانتخابات الماضية، إضافة إلى دخوله شريكا تجاريا في شركات عاملة في المجال، أبرزها وورلد ليبرتي فايننشال.
دعم وتحذيرات
وأوضحت بي بي سي أن القانون حظي بتأييد غالبية أعضاء الحزب الجمهوري، بالإضافة إلى نحو نصف الديمقراطيين، في وقت حاولت فيه منظمات المستهلكين والحقوق الرقمية تعطيل المشروع عبر حملات ضغط وتحذيرات من تبعاته.
ففي رسالة جماعية بعث بها تحالف من منظمات حماية المستهلك إلى الكونغرس، نُبّه المشرّعون إلى أن تمرير القانون يمثل “إقرارًا خاطئًا بأمان أدوات مالية لم تثبت موثوقيتها بعد”.
وجاء في الرسالة: “بعض الأعضاء قد يعتقدون أن تمرير هذا القانون -رغم عيوبه- أفضل من الفوضى التشريعية الحالية، لكننا نرى أن هذا يعكس فهما مضللا للمخاطر البنيوية المرتبطة بهذه العملات”.
وأضافت المنظمات -وفق ما نقلته بي بي سي- أن القانون “سيسمح بنمو أصول رقمية سيظن المستهلكون خطأ أنها آمنة”، منتقدة ما اعتبرته “انفلاتًا تشريعيًا” يسمح لشركات التكنولوجيا بممارسة أدوار مصرفية من دون الخضوع لرقابة مماثلة.
ربط صارم بالدولار
في قلب القانون الجديد، تنص التشريعات على إلزام جميع العملات المستقرة بأن تكون مدعومة بنسبة 100% بالدولار الأميركي أو أصول منخفضة المخاطر، بما يضمن استقرارها ويحُدّ من تقلبات السوق.
وتُستخدم هذه العملات -حسب بي بي سي- كوسيط مالي لتسهيل التحويلات بين عملات رقمية أكثر تقلبًا مثل بيتكوين، وقد شهدت انتشارًا متسارعًا في السنوات الأخيرة، مع تزايد استخدامها في منصات التداول الدولية.
لكن المنتقدين يرون -وفق التقرير- أن هذا التنظيم الجزئي لا يضمن حماية المستهلك في حال إفلاس شركات إصدار العملات المستقرة، ويُكرّس دور شركات تكنولوجية ضخمة في منظومة مالية من دون رقابة مصرفية تقليدية.
مشاريع قوانين موازية
وتتابع بي بي سي أن مجلس النواب الأميركي صادق كذلك على مشروعين إضافيين ضمن الحزمة التشريعية المرتبطة بالعملات المشفّرة:
- الأول يمنع البنك المركزي الأميركي من إصدار عملة رقمية سيادية.
- والثاني يضع إطارًا تنظيميًا للعملات الرقمية غير المستقرة مثل بيتكوين وإيثيريوم.
ويُتوقّع أن يُعرض المشروعان على مجلس الشيوخ خلال الأسبوع المقبل، حيث يتمتع الجمهوريون بأغلبية طفيفة.

بالتوازي، كشف التقرير عن نية إدارة ترامب إصدار أمر رئاسي يسمح باستخدام أصول رقمية -منها العملات المشفرة، والذهب، والأسهم الخاصة- ضمن حسابات التقاعد، وهو ما قد يفتح الباب أمام تحويلات مالية واسعة النطاق، تحمل في طياتها فرصًا ومخاطر.
سوق العملات المشفرة يحتفل
وسجّلت عملة بيتكوين ارتفاعًا قياسيًا هذا الأسبوع، متجاوزة حاجز 120 ألف دولار للمرة الأولى، بالتزامن مع الزخم التشريعي الذي تشهده واشنطن.
لكن هذا التفاؤل لا يُقنع جميع الخبراء، إذ عبّر تيري هاينز محلل السياسات العامة في شركة “بانجي بوليسي” عن اعتقاده بأن “قانون العبقرية” سيكون الإنجاز الوحيد للقطاع في المدى القريب.
وقال هاينز في تصريح لبي بي سي: “هذه هي نهاية انتصارات العملات المشفرة لفترة طويلة، وربما الوحيدة”.
وأضاف “عندما يستغرق تمرير الجزء الأسهل (أي العملات المستقرة) ما بين 4 و5 سنوات، ويكاد يسقط بسبب الفضائح والتلاعبات في القطاع، فإن ما تحقق لا يُعد إنجازًا يُحتفى به”.