القدس المحتلة– فرضت ألمانيا حظرا على توريد الأسلحة إلى إسرائيل في خطوة غير مسبوقة لتقييد قدراتها العسكرية مع استمرار الحرب وتزايد الضغوط الدولية، لا سيما بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عزمه احتلال قطاع غزة.

وتواجه الشركات الإسرائيلية خطر فقدان أحد أهم أسواقها الإستراتيجية، إذ تحتل ألمانيا المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من حيث حجم صادراتها الدفاعية لإسرائيل خلال العقود الأخيرة، وقد لعبت دورا بارزا في تزويد الجيش الإسرائيلي بأنظمة متطورة، من بينها الغواصات وسفن الصواريخ التي تحمي منصات الغاز الإسرائيلية.

بذلك قد تجد إسرائيل نفسها في وضع حرج، في حالة اندلاع حالة طوارئ جديدة تستدعي شحنات عاجلة من الأسلحة، مع احتمال تعرضها لأزمة نقص حاد في الإمدادات العسكرية.

وترتبط شركات الصناعات العسكرية الإسرائيلية بعلاقات تعاون وثيقة مع شركات ألمانية، وتمتلك فروعا هناك، لكن الحظر الألماني يهدد تصدير هذه الشركات إلى إسرائيل، خصوصا في ظل استمرار الحرب والحاجة الملحة لتجديد مخزون الأسلحة.

مع ذلك، فإن صياغة إعلان المستشار الألماني فريدريش ميرتس، تمنح برلين مساحة للمناورة، بحيث قد لا تشمل القيود بعض الصادرات مثل الغواصات والسفن، رغم وجود تقارير تشير إلى مشاركة هذه السفن في العمليات العسكرية في قطاع غزة.

خسائر اقتصادية

بعد ساعات قليلة من قرار (الكابينت) بشأن احتلال غزة، يقول المحلل السياسي لصحيفة (يديعوت أحرونوت)، إيتمار آيخنر: “بدأت التداعيات السياسية تتضح سريعا”، وأعلنت ألمانيا، التي تعد من أهم الدول الأوروبية وأكثرها دعما لإسرائيل، أنها ستتوقف عن نقل الأسلحة إلى إسرائيل في حال استخدامها في الحرب على غزة.

ويضيف آيخنر: “هذا الواقع يثير قلقا متزايدا لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي ترى في الحظر الألماني وعرقلة الشحنات الأوروبية تهديدا مباشرا لمخزونها من الأسلحة”، خصوصا في حال اندلاع حالة طوارئ جديدة تتطلب شحنات عاجلة.

ولفت إلى أن إسرائيل تخشى من أن يؤدي اتساع نطاق الحظر إلى دول أخرى، إلى إحداث شلل في سلاسل الإمداد، مما قد يضغط على إسرائيل سياسيا لإنهاء الحرب.

وإلى جانب البعد العسكري، يقول الكاتب الإسرائيلي: “تنعكس هذه التطورات سلبا على قطاع الصناعات العسكرية الإسرائيلية”، الذي يمتلك فروعا وشركات تابعة في عدة دول أوروبية، وعلى رأسها ألمانيا، مما قد يتسبب بخسائر اقتصادية كبيرة ويقوض مكانة إسرائيل في سوق السلاح العالمي.

علاقات متشابكة

تشير هذه العلاقات المعقدة والمتشابكة بين الصناعات العسكرية الإسرائيلية والألمانية إلى أن أي قرار ألماني يقيد التصدير قد يؤثر بشكل مباشر على قدرة إسرائيل على تأمين أسلحتها، كما يثير مخاوف من تداعيات أوسع تشمل الاقتصاد الإسرائيلي واستمرارية الصناعات الدفاعية الحيوية خلال فترة الصراع الراهن.

ويقول الكاتب المتخصص في شؤون التكنولوجيا والأسلحة بصحيفة (هآرتس) الإسرائيلية، عوديد يارون إن قرار الحكومة الألمانية بتقييد تصدير الأسلحة إلى إسرائيل قد يسبب ضررا بالغا لبعض أهم أنظمة الأسلحة في جيش الدفاع الإسرائيلي، ويدفع إسرائيل ومورديها للبحث عن حلول بديلة للإنتاج داخل ألمانيا.

ويرجح أن القرار قد يمنع كذلك الشركات الإسرائيلية التي تصنع الأسلحة في ألمانيا، بما في ذلك تلك المملوكة للدولة، من بيع هذه الأسلحة لإسرائيل.

وأوضح أن ألمانيا تحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من حيث حجم صادراتها الدفاعية إلى إسرائيل خلال العقود الأخيرة، ويعزى ذلك بشكل رئيسي إلى الصفقات الكبيرة مع شركة (تيسن كروب) التي توفر غواصات وسفن صواريخ لحماية منصات الغاز الإسرائيلية.

مسار الحرب

ووفقا لرد رسمي من وزارة الاقتصاد الألمانية على استفسار مقدم إلى البرلمان الألماني (البوندستاغ)، تمت الموافقة على صادرات إلى إسرائيل بقيمة إجمالية بلغت 481 مليون يورو (560 مليون دولار) منذ بداية الحرب وحتى 13 مايو/ أيار 2025.

مع ذلك، يقول يارون: “امتنعت الحكومة الألمانية عن الكشف عن تفاصيل دقيقة حول أنواع الأسلحة والمعدات الموردة”، وأرفقت قائمة طويلة من الفئات التي تشمل الأسلحة الصغيرة، والقنابل، والصواريخ، والذخيرة، ومجموعة واسعة من الأنظمة العسكرية.

ورغم أن صياغة إعلان المستشار الألماني تركت لبرلين مساحة للمناورة، يضيف يارون: “مؤشرات المرحلة المقبلة توحي بأن القيود قد تشتد”، مع ما يحمله ذلك من انعكاسات على مسار الحرب ومستقبل الصناعة العسكرية الإسرائيلية.

أبعاد اقتصادية

تحت عنوان “من الغواصات إلى دبابات ميركافا: الحظر الألماني يهدد الصناعات الدفاعية الإسرائيلية”، قدم مراسل الصناعات الدفاعية في صحيفة (كلكليست) الإسرائيلية، يوفال أزولاي مقالات تناول فيها بالتفصيل تداعيات القرار الألماني بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيل.

واستعرض أزولاي الأبعاد العسكرية والسياسية والاقتصادية لهذه الخطوة، موضحا كيف يمكن أن تؤثر على مشاريع إستراتيجية كبرى، من الغواصات المتطورة إلى محركات دبابات ميركافا، وصولا إلى إنتاج الصواريخ والمعدات القتالية، في وقت تواجه فيه إسرائيل تحديات متزايدة على أكثر من جبهة.

ولفت إلى أن الحظر يضع الصناعات الدفاعية الإسرائيلية أمام تحديات كبيرة، فالخطوة تهدد صفقة توريد 3 غواصات جديدة بقيمة 3 مليارات يورو (3.5 مليارات دولار)، وتوقف إمدادات القذائف ووحدات إنتاج الصواريخ، فضلا عن إمكانية الإضرار بسلاسل إنتاج محركات دبابات ميركافا وناقلات الجند المدرعة.

ضربة قاسية

وأشار إلى أن ذلك يأتي في وقت بدأت فيه الصناعات الجوية الإسرائيلية بالفعل تزويد ألمانيا بمنظومات (آرو 3) الدفاعية بقيمة 14 مليار شيكل (4 مليارات دولار)، بينما تخسر إسرائيل ثاني أكبر مزود للأسلحة لها بعد الولايات المتحدة، في لحظة تعتبرها حاسمة من الناحية الأمنية.

وحتى الآن، يقول أزولاي: “لا تزال تبعات القرار على توريد محركات ميركافا وناقلات الجند المدرعة (نمر) و(إيتان) غير واضحة”، وقد طُوّرت هذه المحركات في معهد إم تي يو MTU الألماني وتُنتج مكوناتها فيها، قبل أن تُجمّع بالكامل في مصانع شركة (جنرال ديناميكس) الأميركية، التي تبيعها لإسرائيل بتمويل من المساعدات العسكرية الأميركية.

وإلى جانب ذلك، تزود الصناعات الألمانية إسرائيل بقذائف وأنظمة كهروضوئية ومكونات أساسية تستخدم في تصنيع الصواريخ والذخائر بمختلف أنواعها، وعليه يضيف أزولاي: “الحظر الألماني ضربة قاسية. أستطيع القول إن العاملين في إدارة المشتريات بوزارة الدفاع الإسرائيلية يعيشون حالة إنهاك شديد، ليس فقط بسبب ضغط العمل، بل نتيجة التحديات المستجدة في تأمين الإمدادات”.

شاركها.
اترك تعليقاً