في تحول ملحوظ يعيد تشكيل قطاع النقل في أمريكا الجنوبية، تشهد أوروغواي طفرة غير مسبوقة في مبيعات السيارات الكهربائية. مدفوعة بسياسات حكومية مشجعة، وارتفاع تكاليف الوقود التقليدي، بالإضافة إلى دخول لاعبين جدد من الشركات الصينية، أصبحت أوروغواي نموذجًا يحتذى به في تبني السيارات الصديقة للبيئة. هذا التحول لا يقتصر على الأرقام فحسب، بل يمتد ليشمل تجارب المستخدمين الذين يشهدون توفيرًا كبيرًا في التكاليف.
أوروغواي: مركز السيارات الكهربائية في أمريكا الجنوبية
لم يعد الأمر مجرد اتجاه، بل واقع ملموس. أوروغواي تتبوأ مكانة رائدة في تبني السيارات الكهربائية في قارة أمريكا الجنوبية. وفقًا لتقرير صادر عن وكالة بلومبيرغ، أصبحت البلاد “بؤرة طفرة المركبات الكهربائية”، حيث تنتشر السيارات الكهربائية في العاصمة مونتفيديو وعلى طول ساحل بونتا ديل إيستي الراقي. هذا الانتشار ليس عشوائيًا، بل هو نتيجة لتضافر عدة عوامل.
الإعفاءات الضريبية وارتفاع أسعار الوقود
تعتبر السياسات الحكومية في أوروغواي حجر الزاوية في هذا التحول. الإعفاء الكامل من رسوم الاستيراد التي تصل إلى 23%، بالإضافة إلى الإعفاء من ضريبة السلع الفاخرة، جعلت السيارات الكهربائية أكثر جاذبية للمستهلكين. في المقابل، ارتفع سعر البنزين ليصل إلى حوالي 7.40 دولارًا للغالون، مما زاد من الحافز للانتقال إلى بدائل أكثر اقتصادية وصديقة للبيئة.
هيمنة العلامات الصينية على سوق السيارات الكهربائية
لطالما كان سوق السيارات في أوروغواي تحت سيطرة الشركات الأمريكية والأوروبية. ولكن، مع ظهور السيارات الكهربائية، تغيرت قواعد اللعبة. العلامات الصينية، وعلى رأسها “بي واي دي” (BYD)، و”جاك” (JAC)، و”أومودا” (OMODA)، استطاعت أن تستحوذ على حوالي 90% من إجمالي مبيعات السيارات الكهربائية في أوروغواي، والتي بلغت حوالي 11 ألف مركبة هذا العام.
طراز “سيجال” (Seal) من “بي واي دي” يعتبر مثالًا بارزًا على هذا النجاح، حيث يُباع بسعر يقل قليلًا عن 20 ألف دولار، وهو سعر منافس جدًا للسيارات الصغيرة التي تعمل بالوقود. هذا السعر، بالإضافة إلى جودة السيارات الصينية المتزايدة، جعلها خيارًا مفضلًا لدى العديد من المستهلكين.
أرقام مبيعات السيارات الكهربائية تتجاوز التوقعات
تشير بيانات اتحاد تجارة السيارات في أوروغواي (أكاو) إلى أن السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات شكلت حوالي ربع مبيعات السيارات والشاحنات الرياضية حتى أكتوبر 2025. هذه النسبة تضاعفت مقارنة بالعام السابق، وهي أعلى بكثير من معدلات التبني في أسواق أخرى في أمريكا اللاتينية مثل كولومبيا وتشيلي والبرازيل، حيث لا تتجاوز هذه النسبة الأرقام الأحادية.
وتتوقع مؤسسة “بلومبيرغ إن إي إف” (BloombergNEF) أن تتجاوز مبيعات السيارات الكهربائية والهجينة القابلة للشحن 8% من إجمالي المبيعات الجديدة في أمريكا اللاتينية هذا العام، أي أكثر من 400 ألف مركبة، مقارنة بنحو 2% في عام 2023. ويؤكد رافائيل رابيوليو، رئيس أبحاث أمريكا اللاتينية في “بلومبيرغ إن إي إف”، أن وجود الشركات الصينية كان حاسمًا في تحقيق هذا التحول السريع.
تجارب المستخدمين: توفير مالي وبعض التحديات
لا يقتصر تأثير السيارات الكهربائية على الأرقام والإحصائيات، بل يمتد ليشمل حياة المستخدمين اليومية. ماريا كلارا سوليه، مواطنة أوروغوايانية تبلغ من العمر 36 عامًا، تشارك تجربتها مع سيارتها “بي واي دي يوان برو” التي اشترتها مع زوجها. تقول سوليه إنها توفر ما يصل إلى 400 دولار شهريًا بشحن السيارة في المنزل بدلاً من شراء الوقود.
ومع ذلك، لا تزال هناك بعض التحديات. سوليه وزوجها يحتفظان بسيارة تعمل بالبنزين للرحلات الطويلة، نظرًا لعدم وجود بنية تحتية كافية للشحن في المناطق النائية أو عند السفر إلى دول مجاورة مثل الأرجنتين والبرازيل. هذا يشير إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من الاستثمار في تطوير شبكة الشحن لتشجيع المزيد من المستهلكين على التحول الكامل إلى السيارات الكهربائية.
مستقبل السيارات الكهربائية في أوروغواي وأمريكا اللاتينية
أوروغواي تقدم نموذجًا ناجحًا للدول الصغيرة التي لا تخطط لبناء صناعة محلية للسيارات الكهربائية. من خلال السياسات المشجعة والاعتماد على السيارات المستوردة، تمكنت البلاد من تحقيق طفرة ملحوظة في تبني هذه التكنولوجيا.
بالنظر إلى المستقبل، من المتوقع أن يستمر نمو سوق السيارات الكهربائية في أوروغواي وأمريكا اللاتينية بشكل عام. مع انخفاض أسعار البطاريات وتطور تكنولوجيا الشحن، ستصبح السيارات الكهربائية أكثر سهولة في الوصول إليها وأكثر عملية للاستخدام اليومي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الوعي المتزايد بأهمية حماية البيئة والحد من الانبعاثات الكربونية سيلعب دورًا كبيرًا في تسريع هذا التحول. الاستثمار في البنية التحتية للشحن، وتوفير المزيد من الحوافز للمستهلكين، سيكونان ضروريين لتحقيق أقصى استفادة من هذه الفرصة.















