في سعيه الحثيث لمكافحة ممارسات السطو العقاري والاستيلاء على عقارات الغير، اعتمد المغرب رسمياً “البصمة الإلكترونية” منذ بداية شهر فبراير الجاري خلال عملية إبرام العقود التوثيقية، إذ جرى تزويد مكاتب الموثقين بأجهزة إلكترونية فاحصة للهوية بالتعاون مع الإدارة العامة للأمن الوطني.
ووزع نحو 1830 جهازا على الموثقين بجميع جهات المملكة؛ وهي الأجهزة التي تُمكن الموثّق من الاطلاع على جميع البيانات الخاصة بالشخص المتعاقد بمجرد وضع بطاقة تعريفه الوطنية على الجهاز أو بصمته، ومن ثم التأكد من هويته الحقيقية تفاديا لأي عملية تزوير.
وسُورع إلى هذه الإجراءات، بناء على رسالة ملكية موجهة إلى وزير العدل عام 2016، التي تضمنت أمرا ملكيا بالانكباب الفوري على وضع خطة عمل عاجلة للتصدي لظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير والقضاء عليها والسهر على تنفيذها.
البصمة تحد من التزوير
في حديثه لعدد من وسائل الإعلام المحلية، أبرز رئيس المجلس الوطني لهيئة الموثّقين في المغرب، هشام صابري، أنه “تم اللجوء لتقنية البصمة الإلكترونية استجابة للرسالة الملكية، والتي شُكّلت على إثرها لجنة في الموضوع، إذ تأكد أن تزوير الهوية من أهم المداخل إلى مواجهة ظاهرة السطو على عقارات الغير”.
وأوضح المصدر نفسه، أن “جهاز البصمة الإلكترونية الذي يُربط بجهاز الحاسوب، يُمكّن الموثّق من التعرف على جميع البيانات الخاصة بالمتعاقد”، مضيفا أن “هذه التقنية ستحدّ نهائيا من انتحال صفة مالك العقار”.
استراتيجية رقمية طموحة
وأكد الخبير في قانون العقار والأستاذ بجامعة ابن زهر في أكادير (جنوب)، محمد العلمي، أنه “من الطرق التي تعتمدها مافيا الاستيلاء على عقارات الغير، تزوير بطاقة هوية الأطراف (بطاقة التعريف الإلكترونية)، خصوصا الذي يُفوّت عقاراً سواء كان بائعاً أو واهباً أو متصدقاً، إذ يصعب بل يستحيل على الموثقين التحقق من تزوير بطاقة الهوية، فتتم المعاملة العقارية ثم بعدها يكشف أمر التزوير، فيقحم الموثق في المتابعات القضائية”.
وقال العلمي، في تصريحه لـ”موقع اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “للحد من حالات تزوير بطاقات الهوية، أٌبرمت اتفاقية شراكة بين المجلس الوطني لهيئة الموثقين والمديرية العامة للأمن الوطني (تابعة لوزارة الداخلية)، تتيح تبادل البيانات بين منصة الموثقين وتلك الموجودة لدى مصالح الأمن الوطني”.
وأشاد الخبير في قانون العقار، “بالاستراتيجية الرقمية الطموحة للمجلس الوطني لهيئة الموثقين بالمغرب، والتي من شأنها أن ترتقي بالخدمات العمومية التي يقدمها للمرتفقين”.
وتتجلى هذه الاستراتيجية، في “رقمنة جميع الإجراءات الإدارية مع الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية (حكومية)، والتي قطعت أشواطاً مهمة، والتبادل الإلكتروني بين الموثقين والبنوك بطريقة إلكترونية، ثم التبادل الإلكتروني للمعطيات مع الهيئة الوطنية للمعلومات المالية (حكومية)”، يضيف نفس المصدر.
ضرورة استكمال التشريع
ويرى أستاذ القانون الخاص في جامعة ابن طفل بالقنيطرة (غرب)، يوسف حمومي، أن “موضوع اعتماد البصمة الإلكترونية مهم، لاسيما أنه يتخذ صورتين؛ الأولى تتم بين الخواص غالباً، وتتخذ أحد الأشكال الآتية: الاستيلاء على عقارات الغير والتّرامي عليها، وجنحة انتزاع العقار من الغير. أما الصورة الثانية، فتكون فيه الدولة أو أحد أشخاص القانون العام طرفاً، ويحدث في الاعتداء المادي على الملكية العقارية، الذي يباشر في إطار إحداث التجهيزات أو المرافق العمومية عوضاً عن سلوك مسطرة نزع الملكية”.
وتابع حمومي، في إفادته لـ”موقع اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن هذا الإجراء الجديد في التوثيق العقاري “محاولة من الهيئة المغربية للموثقين ومديرية الأمن، للحد مع مختلف الاختلالات والجرائم التي تمسّ مجال توثيق التصرفات العقارية؛ بما فيها جريمتا انتحال صفة، والتزوير في المحررات والوثائق الرسمية”.
ولفت الخبير القانوني، إلى أن اعتماد البصمة الإلكترونية في المعاملات التوثيقية في مجال العقار، “خطوة حسنة تحسب للمغرب في هذا المجال، كما هو الشأن لدى بعض التجارب الدولية الأخرى السابقة”.
غير أنه، لا بد للحسم في مشكلة التزوير والسطو على العقارات، من “استكمال المنظومة التشريعية في هذا الباب، لا سيما أن مجموعة من مشاريع القوانين لم تتم بلورتها إلى قوانين نافذة بعد، زيادة على أن المجال الرقمي والمعلوماتي يشهد تطوراً متسارعاً، مما يصعّب القطع النهائي مع الجرائم المبتكرة في هذا الباب”، يستطرد المتحدث ذاته.
آلاف العقارات مهملة
ويعاني المغرب من لوبيات السطو على عقارات الغير، خصوصاً العقارات المهملة التي يصل عددها نحو 8299 عقاراً في جميع أنحاء المملكة، وفق ما كشف مؤخراً وزير العدل عبد اللطيف وهبي، في جواب على سؤال كتابي للفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان).
وأشار الوزير في إجابته، إلى أن الوزارة قامت بعملية جرد العقارات المهملة بتنسيق بين وزارة الداخلية، والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية.
وأفاد وزير العدل، أنه بعد اتخاذ مجموعة من التدابير للتصدي لظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير، والقضاء عليها، بناء على الرسالة الملكية الموجهة إلى وزارة العدل في الموضوع سنة 2016، “تراجع عدد القضايا الرائجة في محاكم المملكة المتعلقة بالاستيلاء على عقارات الغير، إذ سجل 59 قضية فقط إلى حدود شهر أكتوبر الماضي”.
وكشف المسؤول الحكومي، أنه “قُدّم للنيابة العامة 33 طلباً لمنع التصرف في عقارات كانت موضوع بحث جنائي، أو دعوى عمومية، تم قبول 28 منها”.