بيروت- بابتسامة عريضة وسؤال عن التوقعات واحتمال توسعة الحرب بين إسرائيل وحزب الله، يستقبلنا وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني أمين سلام.
وصلنا إلى مكتبه محمّلين بعشرات الأسئلة من اللبنانيين الخائفين على مستقبلهم وأمنهم الغذائي ومخزون الدولة الإستراتيجي في ظل أجواء الحرب، وعن كيفية مواجهة المحتكرين من تجار الأزمات الذين قد يخزنون السلع تمهيدا لرفع أسعارها إذا تدهور الوضع الأمني.
يقول سلام -وهو محام دولي واقتصادي متخصص في الإدارة- إن الحكومة تعاني، منذ 3 سنوات، الأمرّين لمواجهة ارتفاع المواد الغذائية وتجار الأزمات أو عصابات الأزمات الذين يستغلون حاجة الناس خلال الانهيارات التي ضربت البلاد وتوالت عليها بشكل مخيف، فمن الانهيار الاقتصادي عام 2019 وانفجار مرفأ بيروت بعدها بعام، ثم انهيار العملة وفقدان 95% من قيمتها وفقدان الودائع.
ويضيف أن الحرب الحالية تضع الحكومة أمام اختبار جدي وهو تحقيق الأمن الغذائي ووصول السلع التموينية والمواد الأولية إلى لبنان الذي يستورد أكثر من 90% من احتياجاته، ولا يغطي إنتاجه سوى 10% من احتياجاته.
الأمن الغذائي
وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن “وزارة الاقتصاد تعمل في حالة طوارئ منذ 3 سنوات، لهذا نحن نطمئن الناس على الأمن الغذائي، فنحن في حالة صراع دائمة مع تجار الأزمات ومستغلي المواطن، فهناك قسم من القطاع الخاص حمى البلاد من الانهيار التام، وقسم آخر -نسبته كبيرة- تجار يستغلون خوف الناس وقلقهم من المستقبل وفقدان السلع الغذائية والمواد الغذائية في حال اندلعت الحرب”.
وأشار الوزير المنحدر من عائلة سياسية بيروتية إلى أن ثمة اجتماعات مكثفة منذ أسبوع مع مختلف النقابات المعنية بالأمن الغذائي والمخزون الإستراتيجي من السلع والمواد الأولية.
وقال إن “كل النقابات المختلفة طمأنتني أن السلع الغذائية والمواد الأولية تكفي لمدة 3 أشهر قادمة، وثمة شحنات قادمة إلى مرفأ بيروت تصل خلال الأسابيع القادمة أيضا تكفي لشهرين إضافيين، أي أنه لدينا مواد غذائية واستهلاكية تكفي استهلاك البلاد لمدة 5 أشهر قادمة”.
وأوضح أن وزارة الاقتصاد عملت مع النقابات والتجار على توزيع هذه المواد على نقاط البيع في مختلف المناطق اللبنانية بشكل متساو، “مع الأخذ بعين الاعتبار، المناطق التي نزحت إليها العائلات هربا من الحرب، وطالبنا بمضاعفة الكميات لها”.
مصداقية الحكومة
يقر سلام بأن “كل هذه التطمينات منه ومن زملائه الوزراء لا يصدقها الشعب، وهذا الأمر منذ سنوات وليس وليد اللحظة أو بسبب أجواء الحرب؛ الشعب فقد ثقته بالمسؤولين ليس الحاليين فقط، بل أيضا السابقين، فنحن ورثنا عقودا من الفساد وسوء الإدارة”.
وتابع: “لا ألوم الناس إذا خزّنت السلع ولم تنصت للتطمينات، لأن الدولة اللبنانية منذ عقود نجحت في خسارة ثقة شعبها، ولكن من منطلق إنساني ووطني ورحمة بالفقير الذي يعيش يومه ولا يملك قوت غده، ألا يتهافت المقتدرون على التخزين لفترة طويلة، ولا بأس بتخزين السلع الضرورية لشهر إضافي كحد أقصى”.
ولفت إلى أن التهافت “سيرفع الأسعار حكما، لأنه يدفع التجار إلى التخزين أيضا، ثم بيعها لاحقا بأضعاف مضاعفة”.
“معضلة خطيرة”
وتحدث الوزير عن “معضلة خطيرة” تواجه عمل وزارته والنقابات المعنية بالأمن الغذائي وهي “التهريب ودخول كميات كبيرة من المواد الغذائية والبضائع من المعابر غير الشرعية”.
وقال سلّام إن “حجم السوق الموازية ضخم ويشكل أكثر 50% من السوق، والخوف من أن يخزّن تجار السوق السوداء السلع في حال اندلعت الحرب أو تدهورت الأوضاع أكثر وفرض حصار بحري وجوي، ثم بيعها لاحقا بأسعار مرتفعة”.
وأضاف: “سأطرح في أول جلسة لمجلس الوزراء توسيع خلية أمنية شكلناها قبل عامين لضبط احتكار وتخزين القمح لرفع أسعار الخبز، ليشمل كل السلع الغذائية والاستهلاكية، وفعّلت الأجهزة الرقابية في الوزارة، بمقدمتها مصلحة حماية المستهلك التي تعمل على مدار الأسبوع لضبط المخالفات، لكن إمكاناتها غير كافية مقارنة بحجم السوق الموازية التي ترتكب فيها المخالفات الأكبر، وهذا يحتاج إلى مؤازرة أمنية أكبر واتخاذ إجراءات قضائية بحقهم”.
وتابع أن “وزارة الاقتصاد ليست ضابطة عدلية ولا تستطيع إغلاق متجر أو سوبر ماركت مخالف، من دون إذن من القضاء، ولهذا طالبنا بتعديل القوانين ومنح مفتشي الوزارة هذه الصلاحية، وعملنا لا يحتاج إلى عدد كبير من الأجهزة في حال شددت العقوبات على التجار المخالفين، وزج بهم بالسجن”.
وجها لبنان
وقال سلام إن ثمة جزءا من الشعب اللبناني تأقلم مع انهيار الوضع الاقتصادي والعملة، لكن رأى أن هذا الأمر غير صحي، لأن قسما كبيرا من الشعب اللبناني يعيش كل يوم بيومه أو يتقاضى راتبا زهيدا بعد انهيار العملة، حتى أصبح في لبنان وجهان:
- شرائح واسعة تعاني من أجل العيش بكرامة، وتأثرت بشكل مدمر بالأزمات المتلاحقة التي عصفت بالبلاد.
- شريحة ضيقة جدا تعيش برفاهية، بعد أن نجحت في استغلال الأزمات ومراكمة الثروات، وهو ما يرى سلّام أنه تسبب في غياب العدالة الاجتماعية.
ويؤكد أنه “رغم مرور نحو 5 سنوات على الأزمة الاقتصادية، فلم نر أي توجه لإعادة ودائع الناس أو سياسية نقدية تعيد ثقة الخارج بالنظام المصرفي واقتصاد البلاد، بل على العكس فإن الهوة تزداد اتساعا والاقتصاد النقدي هو المسيطر، وكل هذا مع كل السلبيات التي تترتب عليه”.
ضرب ممنهج
واختتم بالقول إن “هناك ضربا ممنهجا للاقتصاد اللبناني، من خلال تدمير القطاع الزراعي وحرق التربة اللبنانية، فالزراعة كانت تؤمّن جزءا من العملة الأجنبية للبلاد بفضل التصدير، لكنها خسرت نحو 4 مليارات دولار، وهناك تهديدات وتهويل إعلامي داخلي وخارجي بضرب المطار الوحيد في البلاد (مطار رفيق الحريري)، وهذا ضرب السياحة ودفع المغتربين والسياح إلى مغادرة لبنان وألغيت الحجوزات”.
ولخّص أمين سلام المشهد بالقول إن “لبنان في حالة طوارئ منذ 3 سنوات، وطالبت بإعلان هذا الموضوع صراحة وعلنا، خاصة ما يتعلق بالأمن الغذائي وأمن الطاقة، وهذا ليس تهويلا بل واقعا يعيشه اللبنانيون، قبل أشهر كنا فقط بحالة طوارئ بسبب الأزمة الاقتصادية والانهيارات المتتالية، ولكن اليوم أصبحنا بحالة طوارئ وحالة حرب، إذا لم نتعاون جميعا للجم الانهيار، فسندخل بنفق مظلم يحتاج لسنوات طويلة من التعافي والخروج منه”.