اليابان تواجه أزمة مالية متصاعدة: هل اقتربنا من نقطة اللاعودة؟
تشهد اليابان اضطرابًا ماليًا متسارعًا منذ تولي رئيسة الوزراء الجديدة ساناي تاكايتشي مهامها قبل ستة أسابيع، وتبنيها حزمة توسع مالي ضخمة قيمتها 135 مليار دولار. هذه الحزمة، التي وُصفت بأنها “منخفضة الجودة” من قبل صحيفة “تلغراف”، تتضمن إجراءات مثل “قسائم الأرز ودعم الوقود” في محاولة يائسة لتهدئة آثار التضخم المتزايد، والذي يُعزى بشكل كبير إلى السياسات الاقتصادية الجديدة نفسها. هذا الوضع يثير قلقًا بالغًا حول مستقبل الاقتصاد الياباني، خاصةً مع كونه الدولة الأكثر مديونية في العالم كنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.
تصاعد الديون وارتفاع عوائد السندات: مؤشرات تحذيرية
باتت اليابان، التي يبلغ حجم ديونها حوالي 230% من الناتج المحلي الإجمالي، “تعاكس اتجاهات السوق” من خلال إصدار المزيد من الديون دون وجود أساس مالي قوي يدعم ذلك. هذا السلوك أثار حفيظة ما أسمته صحيفة “تلغراف” بـ “مُراقبي السندات الغاضبين” حول العالم، وسط تزايد المقارنات مع أزمة حكومة ليز تراس في بريطانيا قبل ثلاث سنوات.
قفز العائد على السندات الحكومية لأجل 10 سنوات إلى 1.94% في أحدث تداولات طوكيو، وهو مستوى يقترب من الأعلى منذ عام 1997. هذا الارتفاع يعكس مخاوف متزايدة من فقدان الثقة بالاقتصاد الياباني، مما قد يؤدي إلى اضطراب مالي حاد. حجم سوق الديون اليابانية، الذي يبلغ 12 تريليون دولار، يجعل سرعة التغيرات الحالية مقلقة للغاية.
تحذيرات الخبراء وتكاليف خدمة الدين المتزايدة
كاوامورا سايوري، كبيرة خبراء الاقتصاد في معهد أبحاث اليابان، حذرت من أن “كل المؤشرات تقود نحو حساب مالي مؤلم ما لم تتراجع الحكومة”. وأضافت أن تكاليف خدمة الدين “كانت تنفجر فعلاً” حتى قبل تطبيق هذه السياسات التحفيزية الجديدة. هذا يعني أن جزءًا أكبر من الميزانية سيخصص لسداد الديون، مما يقلل من الأموال المتاحة للاستثمار في مجالات حيوية أخرى مثل التعليم والرعاية الصحية.
ضعف الين وتأثيره على الاستقرار المالي
على الرغم من هذا التحفيز الضخم، يستمر الين في الهبوط، مقتربًا من مستوى 155 يناً للدولار، وهو أضعف مستوى له منذ أكثر من نصف قرن. هذا التحول يضع الين في مرتبة العملات الخاصة بالأسواق الناشئة، بعيدًا عن مكانته التقليدية كـ “عملة ملاذ آمن” التي يلجأ إليها المستثمرون في أوقات الأزمات العالمية. الوضع الاقتصادي في اليابان يتأثر بشكل كبير بهذا الضعف في قيمة العملة.
خطر هروب رؤوس الأموال وأزمة الثقة
يرى الخبراء أن الحكومة اليابانية تخاطر بإشعال موجة من خروج رؤوس الأموال، مما قد يؤثر سلبًا على الأسهم والسندات والعملة في آن واحد. هذا السيناريو يُعتبر كارثيًا بالنسبة لاقتصاد بحجم اليابان. تحذيرات نومورا للأبحاث تشير إلى أن “تفاقم القلق المالي قد يدفع نحو تراجع ثلاثي يشمل الأسهم والسندات والين، مع احتمالات هروب رؤوس الأموال”.
إجراءات اقتصادية قاسية محتملة
الخطر الأكبر يكمن في احتمال اضطرار الحكومة إلى اتخاذ إجراءات اقتصادية قاسية لم تُشهد منذ أزمات الأربعينيات، مثل:
- فرض ضريبة ثروة استثنائية.
- تجميد الودائع المصرفية.
- تبني خطط تقشف صارمة.
هذه الإجراءات تأتي بعد أن تخلت الحكومة عن هدف تحقيق فائض أولي في الميزانية، وهو ما يتعارض مع نهج “الانضباط الحديدي” الذي اشتهرت به رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر، والتي تعتبرها تاكايتشي نموذجًا سياسيًا لها.
هل تقترب اليابان من “خط أحمر”؟
على مدى الثلاثين عامًا الماضية، كان يُعتقد أن الديون اليابانية آمنة دائمًا بفضل حجم الادخار المحلي الهائل. ومع ذلك، فإن ارتفاع التضخم وانتهاء عصر سعر الفائدة الصفرية غيّر هذه المعادلة بشكل جذري. تضخم الدين إلى 230% من الناتج المحلي الإجمالي لم يعد رقمًا يمكن تجاهله، خاصةً مع توقعات صندوق النقد الدولي بأن مدفوعات الفائدة ستتضاعف بحلول عام 2030 وستزيد أربعة أضعاف بحلول عام 2036.
يتساءل التقرير عما إذا كانت اليابان قد اقتربت من “خط أحمر” في سوق السندات عند 2% على العائد لأجل 10 سنوات. تجاوز هذا الحد قد يعني إما تراجع حكومة تاكايتشي، أو حدوث “انفجار” خطير في مكان ما من النظام المالي العالمي. الديون الحكومية اليابانية أصبحت مصدر قلق متزايد للمستثمرين الدوليين.
تحول دور اليابان في الاقتصاد العالمي
وفقًا لتحليل صحيفة “تلغراف”، فإن “اليابان تنتقل من دور المقرض العالمي الموثوق إلى اقتصاد قد يصبح لأول مرة منذ عقود مصدرًا للعدوى المالية، إذا استمرت المقامرة السياسية بالاستقرار المالي”. هذا التحول يمثل نهاية حقبة طويلة من الاستقرار والازدهار النسبي لليابان، ويطرح تساؤلات حول مستقبلها كقوة اقتصادية عالمية. مراقبة الأداء الاقتصادي لليابان ستكون حاسمة في الأشهر والسنوات القادمة.
في الختام، الوضع المالي في اليابان يزداد تعقيدًا وخطورة. السياسات الحالية، بدلاً من حل المشاكل، يبدو أنها تفاقمها. يتطلب الأمر تحولاً جذريًا في النهج الاقتصادي للحكومة اليابانية لتجنب أزمة مالية شاملة. ندعو القراء إلى متابعة التطورات الاقتصادية في اليابان عن كثب، ومشاركة آرائهم حول هذه القضية الهامة.














