في خضمّ تصاعد القلق الاقتصادي في الولايات المتحدة، يواصل الرئيس دونالد ترامب الترويج لرؤية متفائلة حول تكاليف المعيشة، مؤكداً على “أسعار تنخفض بشكل هائل”. لكن هذه التصريحات تتناقض بشكل صارخ مع الواقع الذي يعيشه الملايين من الأمريكيين، ومع ما تُظهره استطلاعات الرأي التي تشير إلى تراجع الثقة في إدارته الاقتصادية. وبينما يحاول ترامب التركيز على قضايا الهجرة والرسوم الجمركية، تبقى ضغوط التضخم وارتفاع أسعار السلع الأساسية، والإيجارات، والرعاية الصحية، هي المهيمنة على حياة الناخبين.

ترامب وتصريحاته الاقتصادية المتفائلة: هل تتطابق مع الواقع؟

خلال تجمع حاشد في كازينو بولاية بنسلفانيا، أكد ترامب أن “جعل أمريكا قابلة للعيش مجدداً” هو أولويته القصوى، وزعم أن الأسعار تشهد انخفاضاً كبيراً. وأشار إلى تراجع أسعار الوقود والبيض كمثال، متجاهلاً استمرار ارتفاع أسعار العديد من المواد الغذائية الأخرى، بالإضافة إلى تكاليف السكن والرعاية الصحية. هذه التصريحات تأتي في محاولة واضحة لطمأنة الناخبين الذين يعانون من الضغوط الاقتصادية المتزايدة.

لكن وكالات الأنباء مثل بي بي سي والصحافة الفرنسية تسلط الضوء على التناقض بين خطاب ترامب والبيانات الاقتصادية الفعلية. فقد وصف ترامب الحديث عن صعوبة تحمل تكاليف المعيشة بأنه “خدعة من الديمقراطيين”، معترفاً في الوقت ذاته بأن الأسعار “ارتفعت كثيراً”. ويصر على أن الأسعار الحالية “تنخفض بشكل هائل” مقارنة بأعلى مستوياتها في التاريخ، وهو ما تثيره الشكوك.

أرقام التضخم تكشف عن صورة مختلفة

على الرغم من تأكيدات ترامب، تشير البيانات الرسمية إلى أن التضخم في الولايات المتحدة لا يزال مرتفعاً. ففي سبتمبر، بلغ التضخم حوالي 3% على أساس سنوي، وهو ما يتجاوز هدف الاحتياطي الفدرالي البالغ 2%. وقد قام البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة مرتين في محاولة لتحقيق التوازن بين كبح التضخم وتحفيز النمو الاقتصادي، لكن أسعار الفائدة لا تزال عند مستوى 3.9%.

تشير الإحصائيات إلى أن الأسعار الإجمالية ارتفعت بنحو 25% خلال السنوات الخمس الماضية، بينما ارتفعت تكاليف البقالة والإيجار تحديداً بنحو 30% خلال نفس الفترة. هذه الزيادات تؤثر بشكل مباشر على ميزانيات الأسر الأمريكية، وتزيد من شعورهم بالقلق وعدم اليقين.

تراجع ثقة الناخبين في الأداء الاقتصادي لترامب

تُظهر استطلاعات الرأي تراجعاً ملحوظاً في ثقة الناخبين في أداء ترامب الاقتصادي. فقد انخفضت نسبة الموافقة على أدائه الاقتصادي بنحو 15 نقطة منذ مارس، لتصل إلى 36% فقط. وفي استطلاع آخر، أشار نصف الناخبين تقريباً، بمن فيهم 40% ممن صوتوا لترامب في عام 2024، إلى أن تكاليف المعيشة هي “الأسوأ في حياتهم”.

هذا التراجع في الثقة يثير قلقاً متزايداً داخل الحزب الجمهوري، الذي يخشى أن يتحول ملف تكاليف المعيشة إلى نقطة ضعف قاتلة في انتخابات منتصف الولاية عام 2026. فقد أظهرت انتخابات حديثة في ولايات كفرجينيا ونيوجيرزي ومدينة نيويورك أن المرشحين الديمقراطيين حققوا نجاحات كبيرة من خلال التركيز على هذه القضية.

أصوات من الشارع: معاناة حقيقية

تجمع تقارير ميدانية شهادات لناخبين يعانون من صعوبة تغطية نفقاتهم اليومية. ألينا هانت، من أوكلاهوما سيتي، فقدت وظيفتها في شركة إنشاءات بسبب الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب على الفولاذ والألومنيوم. وتقول إنها تقدمت للعديد من الوظائف دون جدوى، وإن ارتفاع فاتورة البقالة يزيد من الضغط على ميزانيتها.

بيث ريتشاردسون، من كنساس، عبّرت عن صدمتها من ارتفاع أسعار السلع البسيطة في متجر البقالة، حتى أن علبة العلكة وصلت إلى 5 دولارات. وتقول إنها تدرك أن الرؤساء لا يتحكمون في كل القوى الاقتصادية، لكنها تشعر أن سياسات التعرفة الجمركية “تطلق النار على أقدامنا”.

في المقابل، يظل بعض الناخبين المؤيدين لترامب متمسكين به، معتقدين أنه سيتمكن من تحسين الأوضاع الاقتصادية. جون موهرينغ، من ولاية ويسكونسن، يقول إنه يدفع الآن 100 دولار أسبوعياً على البقالة، لكنه يظل مؤيداً للرسوم الجمركية وسياسات الحدود.

مستقبل الاقتصاد والسياسة الأمريكية

يبدو أن الفجوة بين تصريحات ترامب الاقتصادية والواقع الذي يعيشه الناخبون آخذة في الاتساع. ويحاول البيت الأبيض إعادة صياغة الرسالة الاقتصادية من خلال جولات ميدانية ووعود محددة، مثل إزالة الرسوم عن بعض السلع الغذائية. لكن هذه الخطوات لم تُترجم بعد إلى تحسن ملموس في شعور الناخبين.

الجمهوريون يراقبون بقلق انتخابات 2026، ويخشون أن يؤدي ارتفاع تكاليف المعيشة إلى خسارة السيطرة على الكونغرس. وقد انتقدت بعض القيادات الجمهورية، مثل النائبة مارجوري تايلور غرين، تركيز ترامب على قضايا أخرى بدلاً من معالجة مشكلة تكاليف المعيشة.

في النهاية، سيعتمد مستقبل الاقتصاد والسياسة الأمريكية على قدرة ترامب على إقناع الناخبين بأنه قادر على معالجة التحديات الاقتصادية التي تواجههم، وتحسين مستوى معيشتهم. وإلا، فقد يواجه الحزب الجمهوري نتائج وخيمة في الانتخابات القادمة. هل سيتمكن ترامب من سد هذه الفجوة بين الخطاب والواقع؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.

شاركها.
اترك تعليقاً