قالت وكالة بلومبيرغ إن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على واردات النحاس بدءا من بداية أغسطس/آب المقبل أحدث صدمة في الأسواق العالمية، حيث تجاوزت النسبة المعلنة معظم توقعات المحللين، وأثارت تساؤلات بشأن مستقبل الإمدادات العالمية وسلاسل الإنتاج الأميركية.

وأعلن ترامب قراره في منشور على منصته “تروث سوشيال” قائلا “أميركا ستبني من جديد صناعة نحاس مهيمنة”.

ارتفاع حاد في الأسعار وتهافت على التخزين

وأشارت الوكالة إلى أن أسعار النحاس في الولايات المتحدة قفزت بشكل حاد منذ يناير/كانون الثاني الماضي عندما بدأ ترامب التلويح بفكرة فرض الرسوم.

وقد استغل المتعاملون في السلع هذا الوضع لتحقيق أرباح ضخمة من خلال شحن مئات آلاف الأطنان من النحاس من الأسواق الأرخص نحو الولايات المتحدة مستفيدين من فارق الأسعار.

وارتفعت العقود الآجلة للنحاس في بورصة نيويورك إلى مستويات قياسية، حيث بلغ الفارق السعري بينها وبين بورصة لندن نحو 28%، في ظل تسابق التجار لإدخال الشحنات إلى الموانئ الأميركية قبل دخول الرسوم الجديدة حيز التنفيذ.

الأمن القومي ومواجهة الصين

وقالت “بلومبيرغ” إن البيت الأبيض يبرر هذه الخطوة باعتبارها وسيلة لتصحيح ممارسات تجارية غير عادلة، ودفع الصناعة الأميركية إلى الاعتماد على نفسها في تأمين المواد الحيوية، مثل النحاس المستخدم في شبكات الكهرباء وأنظمة المياه والتجهيزات العسكرية.

وذكرت الوكالة أن 38% من واردات النحاس الأميركية تأتي من تشيلي و28% من كندا و8% من المكسيك.

وفي فبراير/شباط الماضي وقّع ترامب أمرا تنفيذيا للتحقيق في ما إذا كان الاعتماد على النحاس المستورد يشكل تهديدا للأمن القومي الأميركي، وتبع ذلك أمر آخر في مارس/آذار لتسريع تطوير مشاريع التعدين الجديدة.

فجوة إنتاجية كبيرة وتحديات محلية

ورغم امتلاك الولايات المتحدة مناجم كبرى فإن إنتاجها السنوي من النحاس يبلغ 850 ألف طن فقط، في حين أن استهلاكها من المعدن المكرر بلغ 1.6 مليون طن في 2024، بحسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.

وأشارت “بلومبيرغ” إلى أن عدد المصاهر الأميركية النشطة تراجع من منشآت عدة في التسعينيات إلى مصهرين فقط اليوم، في أريزونا ويوتا، في حين تسيطر الصين على قطاع التكرير العالمي من خلال توسع صناعي هائل.

وتُعلّق مشاريع كبرى حاليا لأسباب تتعلق بتراخيص العمل، أبرزها مشروع “ريزوليوشن” في أريزونا التابع لشركتي “ريو تينتو” و”بي إتش بي”، ومشروع “توين ميتالز” لشركة أنطوفاغاستا في مينيسوتا.

كما أن مصهر “هايدن” التابع لمجموعة مكسيكو لا يزال متوقفا عن العمل، ويمكن أن يُنتج نحو 300 مليون باوند من النحاس النقي إذا تم تشغيله مجددا.

النحاس يتدفق من أميركا اللاتينية

وقالت “بلومبيرغ” إن معظم النحاس المتدفق نحو الولايات المتحدة يأتي من مناجم عملاقة في بيرو وتشيلي، وأكدت شركة كوديلكو -وهي المنتجة الحكومية الكبرى في تشيلي- أنها تعمل على تلبية الزيادة في الطلب الأميركي.

وأضافت الوكالة أن الولايات المتحدة أصبحت وجهة التصدير المفضلة للمنتجين العالميين بدلا من الصين التي لطالما كانت المستهلك الأول عالميا للمعدن.

مستقبل الطلب.. الطاقات المتجددة ومراكز البيانات

ورغم الاضطراب الحالي فإن “بلومبيرغ” أشارت إلى أن آفاق النحاس على المدى الطويل تبقى قوية، مدفوعة بالتحول إلى الطاقات النظيفة والزيادة في إنشاء مراكز البيانات، وهي صناعات تعتمد بشدة على النحاس.

ويتوقع بعض المحللين أن يرتفع الطلب العالمي على النحاس بنسبة 33% خلال العقد المقبل، في ظل توجه الحكومات والشركات إلى إزالة الكربون من أنظمة الطاقة والنقل.

لكن “بلومبيرغ” حذرت من أن المعروض الحالي غير كافٍ لتلبية هذه الزيادة رغم تحسن معدلات إعادة التدوير.

وأضافت أن الودائع الجديدة من النحاس أصبحت أصعب وأغلى استخراجا، بسبب تراجع نسب المعدن الخام في الصخور، في وقت تتزايد فيه الضغوط البيئية التي تعرقل الاستثمارات في التعدين.

شاركها.
اترك تعليقاً