تركيا تسعى لتعزيز استثماراتها في قطاع الطاقة الأمريكي، وتحديداً في حقول النفط والغاز، في خطوة تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على روسيا وأذربيجان. هذا التحول الاستراتيجي يأتي في إطار إعادة هيكلة شاملة لمحفظة الطاقة التركية، مع التركيز المتزايد على الغاز الطبيعي المسال (LNG) الأمريكي.

تركيا والغاز الطبيعي المسال الأمريكي: شراكة استراتيجية متنامية

أعلن وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، خلال القمة العالمية للغاز الطبيعي المسال في إسطنبول، عن مباحثات جارية بين مؤسسة البترول التركية وشركات أمريكية كبرى مثل شيفرون وإكسون موبيل للاستحواذ على حصص في أصول المنبع. هذه الخطوة تعكس رغبة تركيا في التوسع في قطاع الغاز الطبيعي المسال، ومن المتوقع الإعلان عن تفاصيل هذه الصفقات في وقت مبكر من الشهر المقبل.

دوافع تركيا نحو الاستثمار في الغاز الطبيعي المسال

تأتي هذه الخطوة مدفوعة بعدة عوامل رئيسية. أولاً، سعي تركيا لتأمين إمدادات طاقة مستقرة وموثوقة لدعم اقتصادها المتنامي، الذي تبلغ قيمته 1.4 تريليون دولار. ثانياً، الرغبة في تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الدول المصدرة التقليدية مثل روسيا وأذربيجان. ثالثاً، أصبح الغاز الطبيعي المسال الأمريكي أكثر تنافسية من غاز خطوط الأنابيب من روسيا وإيران، مما يجعله خياراً جذاباً لتركيا.

صفقات الغاز الطبيعي المسال وتأثيرها على السوق التركي

وقعت تركيا بالفعل صفقات مهمة لتوريد الغاز الطبيعي المسال مع شركات عالمية مثل مجموعة ميركوريا للطاقة ومجموعة وودسايد للطاقة المحدودة، ومعظم هذه الصفقات تتعلق بمصانع في الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، وافقت تركيا هذا الأسبوع على عقود طويلة الأجل مدتها 10 سنوات مع شركتي “إيني” و “إس إي إف إي” (SEFE) الألمانية.

وتشير البيانات إلى أن تركيا استوردت 5.2 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال حتى الآن هذا العام، مقارنة بـ 3.98 مليون طن لعام 2024 بأكمله. هذا الارتفاع في الواردات يتيح للشركات التركية فرصة لتعزيز تجارة الغاز وتحقيق أقصى قدر من الأرباح. وتتوقع تركيا تسلّم حوالي 1500 شحنة من الغاز الطبيعي المسال على مدى السنوات العشر إلى 15 المقبلة، مع ربط معظمها بأسعار غاز “هنري هب” في الولايات المتحدة.

الغاز الطبيعي المسال الأمريكي يمثل 14% من واردات تركيا

أصبحت الولايات المتحدة رابع أكبر مورد للغاز لتركيا هذا العام، حيث تمثل حصتها 5.5 مليارات متر مكعب، أي ما يعادل 14% من إجمالي واردات الغاز التركي. هذا التحول يعكس التغيرات الجارية في سوق الطاقة العالمي، وتزايد أهمية الغاز الطبيعي المسال كبديل للغاز المصدر عبر خطوط الأنابيب. استثمارات الطاقة التركية في الولايات المتحدة تعزز هذه الشراكة وتساهم في تحقيق أهداف الطاقة التركية.

تركيا مركز إقليمي لتجارة الغاز

ولم يقتصر الأمر على استيراد الغاز الطبيعي المسال، بل تسعى تركيا أيضاً إلى أن تصبح مركزاً إقليمياً لتجارة الغاز. تخطط أنقرة لإضافة وحدتين عائمتين جديدتين للتخزين وإعادة التغييز، لتوسيع أسطولها إلى 5 وحدات، وذلك لاستيعاب تزايد الواردات.

مبادرات إقليمية لتعزيز أمن الطاقة

تعتزم تركيا إرسال إحدى هذه الوحدات إلى مصر خلال أشهر الصيف للمساعدة في تغطية نقص الغاز الموسمي في القاهرة، وتجري محادثات مع دول أخرى، مثل المغرب، لترتيبات مماثلة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لتركيا مضاعفة سعة نقل الغاز السنوية إلى بلغاريا إلى ما يصل إلى 7-10 مليارات متر مكعب، مما قد يتيح كميات إضافية لجنوب شرق أوروبا، وربما لأوكرانيا. هذه المبادرات تعكس دور تركيا المتزايد في تعزيز أمن الطاقة الإقليمي.

نظرة مستقبلية: تركيا مركزاً للطاقة

تطمح تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، إلى أن تصبح مركزاً لتجارة الغاز من خلال تنويع مصادر إمداداتها التقليدية والتي ترد عبر خطوط الأنابيب. قطاع الطاقة في تركيا يشهد تحولات كبيرة، مدفوعة بالاستثمارات في الغاز الطبيعي المسال والشراكات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. هذه التطورات من شأنها أن تعزز مكانة تركيا كلاعب رئيسي في سوق الطاقة العالمي، وتساهم في تحقيق أهدافها الاقتصادية والتنموية. من المتوقع أن تستمر هذه الشراكة مع الولايات المتحدة في النمو، مما يعزز أمن الطاقة التركي ويساهم في استقرار أسواق الطاقة الإقليمية.

شاركها.
اترك تعليقاً