تعدّ عملية إصدار عملة سورية جديدة، والتي أعلن عنها مصرف سوريا المركزي مطلع عام 2026، حدثًا اقتصاديًا هامًا يترقبه السوريون بفارغ الصبر. هذه الخطوة، التي تتضمن حذف صفرين من الليرة السورية الحالية، تهدف إلى تبسيط المعاملات المالية ومكافحة التضخم المتزايد. ورصدت الجزيرة مباشر نبض الشارع في العاصمة دمشق، لمعرفة آراء المواطنين حول هذه التغييرات المتوقعة، وما هي توقعاتهم ومخاوفهم بشأن مستقبل العملة السورية الجديدة.
ردود فعل المواطنين في دمشق حول العملة الجديدة
أعرب العديد من المواطنين عن تفاؤلهم الحذر بشأن إطلاق العملة السورية الجديدة. خلال جولة في أحد المقاهي بوسط دمشق، اتفق المتحدثون على أن التخلص من الأصفار سيخفف العبء الكبير الذي يواجهونه في التعاملات اليومية، حيث يتطلب حمل مبالغ ضخمة لإجراء أبسط المعاملات. أحد المواطنين عبّر عن أمله في أن تكون هذه الخطوة بداية لتحسن ملموس في الأوضاع الاقتصادية العامة، مؤكدًا أن الوضع الحالي بات لا يطاق.
أهم المطالب والمخاوف
تركزت مطالب المواطنين حول عدة نقاط رئيسية. أولاً، تسهيل إجراءات استبدال العملة القديمة بالجديدة، وتجنب أي تعقيدات قد تؤدي إلى إضاعة الوقت والجهد. ثانياً، ضمان ثبات قيمة العملة السورية الجديدة بعد إطلاقها، خوفًا من تكرار سيناريو الانخفاض المستمر الذي شهدته الليرة السورية في السنوات الأخيرة. وثالثاً، التأكيد على أن العملة الجديدة ستكون خالية من أي رموز سياسية، وأن تصميمها يعكس الهوية الوطنية السورية.
آلية طرح العملة الجديدة ومرحلة التعويم
أعلن مصرف سوريا المركزي أن الفئات النقدية الجديدة ستُطرح اعتبارًا من الأول من يناير/كانون الثاني 2026، وسيتم اعتماد آلية تقوم بحذف صفرين من العملة الحالية، أي أن كل 100 ليرة سورية قديمة ستعادل ليرة سورية واحدة جديدة. هذه الخطوة تأتي في إطار مساعي المصرف لخفض معدلات التضخم، التي أرهقت القدرة الشرائية للمواطنين، وتسهيل المعاملات التجارية اليومية.
ولتهدئة المخاوف، أكد المصرف على أن العملتين القديمة والجديدة ستتداولان معًا خلال فترة انتقالية، وسيتم سحب العملة القديمة تدريجيًا من السوق. كما تعهد المصرف بعدم المساس بالقيمة الفعلية لمدخرات المواطنين، وضمان حقوقهم في استبدال العملة القديمة بالجديدة. هذه الفترة الانتقالية، التي حددت بـ 90 يومًا قابلة للتمديد، تعتبرها الكثيرات فرصة لتقليل الازدحام وتسهيل عملية التحول.
تحديات نجاح الإصلاح النقدي وضرورة السياسات الاقتصادية المرافقة
على الرغم من التفاؤل الحذر، يرى العديد من الخبراء والمواطنين أن نجاح هذه الخطوة مرهون بتبني سياسات اقتصادية شاملة ومستدامة. فمجرد تغيير شكل العملة لن يكون كافيًا لتحسين الواقع المعيشي، ما لم يتم معالجة الأسباب الجذرية للأزمة الاقتصادية.
أهم السياسات المطلوبة
من بين السياسات التي يجب تبنيها، جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، ووضع ضوابط صارمة على سعر الصرف، ومنع أي تلاعب خلال مرحلة استبدال العملة. الاستقرار المالي هو هدف أساسي يجب تحقيقه، من خلال إعادة الثقة بالنظام المصرفي، وتشجيع الادخار، وتوفير بيئة مواتية للنمو الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، يجب العمل على تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية، وتعزيز الإنتاج المحلي. كما أن مكافحة الفساد وتحسين الشفافية في الإدارة الاقتصادية يعتبران من العوامل الحاسمة لنجاح أي إصلاح اقتصادي. الوضع الاقتصادي في سوريا يتطلب حلولاً جذرية وشاملة، وليس مجرد إجراءات تجميلية.
العملة الجديدة والتضخم: هل هي الحل؟
يهدف طرح العملة السورية الجديدة إلى مكافحة التضخم، وهو أحد أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاد السوري. حذف الأصفار قد يساعد في تبسيط الأسعار وتسهيل الحسابات، ولكنه ليس حلًا سحريًا. التضخم هو نتيجة عوامل متعددة، بما في ذلك زيادة المعروض النقدي، ونقص السلع والخدمات، وتدهور قيمة الليرة السورية. لذلك، يجب على المصرف المركزي اتخاذ إجراءات أخرى للسيطرة على التضخم، مثل رفع أسعار الفائدة، وتشديد الرقابة على البنوك، وتقليل الإنفاق الحكومي. مكافحة التضخم تتطلب جهودًا متضافرة من جميع الجهات المعنية.
الخلاصة والتوقعات المستقبلية
إن إطلاق العملة السورية الجديدة يمثل خطوة جريئة من قبل مصرف سوريا المركزي، ولكن نجاحها يعتمد على مدى قدرة المصرف على تنفيذ السياسات الاقتصادية المرافقة، وكسب ثقة المواطنين. من الضروري أن تكون عملية استبدال العملة سلسة وشفافة، وأن يتم ضمان حقوق جميع المواطنين. كما يجب على الحكومة العمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية العامة، من خلال جذب الاستثمارات، وتعزيز الإنتاج المحلي، ومكافحة الفساد. نتمنى أن تكون هذه الخطوة بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار والازدهار في سوريا، وأن تعود الليرة السورية إلى مكانتها الطبيعية. نحن في الجزيرة مباشر سنواصل متابعة هذا الموضوع عن كثب، وتقديم التحليلات والتغطيات الشاملة لجمهورنا الكريم.















