تعزيز العلاقات الروسية الهندية: بوتين يؤكد استمرار إمدادات الطاقة لنيودلهي

في ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة والضغوط الأمريكية، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارة مهمة إلى نيودلهي يوم الجمعة الموافق 5/12/2025، حيث أكد على التزام روسيا المستمر بتزويد الهند بإمدادات الوقود “دون انقطاع”. تأتي هذه الزيارة بهدف تعزيز الشراكة الإستراتيجية والاقتصادية بين البلدين، وتحديداً في قطاع الطاقة الروسية، وهو أمر بالغ الأهمية للاقتصاد الهندي سريع النمو. وتعد هذه الزيارة أول زيارة لبوتين إلى الهند منذ أربع سنوات، مما يعكس الأولوية التي يوليها كلا البلدين لهذه العلاقة.

بوتين ومودي يناقشان التعاون الشامل

خلال محادثات ثنائية مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، أكد بوتين أن روسيا “مورد موثوق به للنفط والغاز والفحم، وكل ما يلزم لتطوير قطاع الطاقة في الهند.” وأضاف أن بلاده مستعدة للاستمرار في تلبية احتياجات الهند من الوقود لدعم اقتصادها المتنامي. و تصريحاته هذه جاءت في رد مباشر على الضغوط الأمريكية المتزايدة على نيودلهي لتقليل أو وقف وارداتها من النفط الروسي.

موقف الهند، كما عبر عنه مودي، يركز على دعم السلام والجهود المبذولة لحل النزاعات العالمية. وشدد مودي على أن الهند ليست محايدة، بل تتبنى موقفًا بناءً يهدف إلى تحقيق الاستقرار العالمي.

رد فعل على الرسوم الجمركية الأمريكية

زيارة بوتين تأتي في توقيت حساس، حيث تجري الهند محادثات مع الولايات المتحدة لإنهاء الخلافات بشأن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على بعض السلع الهندية، بسبب مشترياتها من النفط الروسي. قام ترامب في أواخر أغسطس الماضي بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 50% على الصادرات الهندية، مما أثار قلق نيودلهي.

وبشأن هذا الموضوع، انتقد بوتين سياسة الرسوم الجمركية التي يمارسها الرئيس ترامب، وتساءل عن المعايير المزدوجة، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة نفسها تشتري الوقود النووي من روسيا. وسأل بوتين بوضوح: “إذا كان من حق الولايات المتحدة شراء وقودنا، فلماذا لا تتمتع الهند بنفس الميزة؟”. هذا السؤال يثير جدلاً حول الحق السيادي للدول في اختيار مصادر طاقتها.

تعزيز التعاون العسكري والتكنولوجي

لم تقتصر المحادثات على الطاقة فقط، بل توسعت لتشمل مجالات متعددة مثل التعاون العسكري التقني، والطيران، والفضاء، والذكاء الاصطناعي. أكد بوتين على أن العلاقات بين البلدين في هذه المجالات مبنية على الثقة العالية، وأن كلا الجانبين حريصان على المضي قدمًا في تطويرها.

وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف، الذي رافق بوتين في الزيارة، أكد على استعداد الصناعة الدفاعية الروسية لدعم الهند في تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الإنتاج الدفاعي. هذا الأمر يتماشى مع جهود الهند لتعزيز صناعاتها المحلية وتقليل الاعتماد على الاستيراد.

نحو شراكة استراتيجية أعمق

تأتي هذه الزيارة في إطار سعي كلا البلدين لتوسيع نطاق التعاون وتعميق الشراكة الاستراتيجية. تهدف روسيا والهند إلى زيادة حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030، لكن تحقيق هذا الهدف يواجه تحديًا، حيث يميل الميزان التجاري حاليًا لصالح روسيا بسبب واردات الهند من الطاقة.

وتسعى نيودلهي إلى تنويع مصادر إمداداتها من الأسلحة، مع إعطاء الأولوية للإنتاج المحلي. ومع ذلك، تظل روسيا أحد الموردين الرئيسيين للأسلحة للهند، وتلعب دورًا حيويًا في تعزيز القدرات الدفاعية الهندية.

الهند توازن بين المصالح الجيوسياسية

يعتقد مراقبون أن زيارة بوتين تعكس سعي الهند إلى اتباع سياسة خارجية متوازنة، من خلال تنويع شراكاتها الإستراتيجية والاقتصادية. ويرى أشوك مالك من “مجموعة آسيا” للدراسات أن هذه الزيارة تندرج ضمن سياق أوسع، حيث تسعى الهند إلى مواجهة التحديات التي تواجهها، خاصة فيما يتعلق بالرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة.

على الرغم من الضغوط المتزايدة، تواصل الهند شراء النفط الروسي بأسعار مخفضة، مما يوفر لها مليارات الدولارات ويساعد في الحفاظ على استقرار أسعار الطاقة. ومع ذلك، فقد خفضت نيودلهي مؤخرًا وارداتها من النفط الخام الروسي، وذلك استجابة للعقوبات المفروضة على شركتي روسنفت ولوك أويل.

مستقبل العلاقات الروسية الهندية

أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن التبادل التجاري بين روسيا والهند مفيد للطرفين. على الرغم من التحديات الجيوسياسية، يبدو أن روسيا والهند عازمتان على مواصلة تعزيز علاقاتهما في مختلف المجالات. هذه الزيارة هي بمثابة رسالة واضحة للعالم، تؤكد على أهمية الشراكة بين البلدين، وقدرتهما على التغلب على العقبات المشتركة. ومن المتوقع أن يعلن الجانبان عن مجموعة من الاتفاقيات خلال المحادثات الرسمية، مما سيعزز التعاون في قطاعات مثل الطاقة النووية، والعمالة، وغيرها. وسيساهم ذلك في تعزيز قاعدة التعاون الاقتصادي بين البلدين على المدى الطويل.

شاركها.
اترك تعليقاً