واشنطن – أمام أحد معارض السيارات في ضاحية أرلينغتون شمال ولاية فرجينيا (شرقي الولايات المتحدة)، يصطفّ مندوبو المبيعات في انتظار زبناء محتملين، يتبادلون أطراف الحديث ويراقبون حركة المرور. تبدو الأجواء طبيعية على السطح، لكن تعابير وجوههم تنمّ عن قلق متصاعد، وكأن اضطرابًا اقتصاديًا وشيكًا يلوح في الأفق.

يقول خوسيه، مندوب مبيعات من أصول لاتينية، في حديث للجزيرة نت، إنه يتابع الأخبار يوميًا، لكنه لم يكوّن بعد رأيا حاسما حول الأثر البعيد للرسوم الجمركية  الجديدة التي أعلن عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ويضيف “على الأرجح، سترتفع أسعار السيارات، وهذا سيؤثر سلبًا على دخلنا، فنحن نعيش على عمولات البيع. أسوأ سيناريو هو أن يتوقف الأميركيون عن شراء السيارات أو استبدالها”.

وتندرج هذه الرسوم، التي تصل نسبتها إلى 25% على واردات السيارات وقطع الغيار، ضمن سياسة تجارية حمائية تنتهجها إدارة ترامب بهدف تشجيع التصنيع المحلي وتقليص العجز التجاري، خصوصًا مع شركاء رئيسيين مثل الصين والاتحاد الأوروبي.

وبينما تعتبر الإدارة أن هذه السياسة ستدفع الشركات إلى إعادة توجيه استثماراتها داخل البلاد، تحذر تقارير اقتصادية من تداعياتها العكسية، ومن بينها ارتفاع أسعار السيارات وتراجع الطلب واضطراب سلاسل التوريد.

الأسواق تترقب والمستهلكون يترددون

وفي معرض “تويوتا” بمدينة سبرينغفيلد في ولاية إلينوي شرقي أميركا، أوضح المدير العام براين لاتيمر للجزيرة نت أن المبيعات لم تتأثر حتى الآن بشكل مباشر، مشيرًا إلى أن السوق تمرّ بـ”مرحلة ترقّب”.

وقال “قد لا يظهر التأثير الفعلي إلا بعد دخول التعريفات حيّز التنفيذ الكامل، أو بعد صدور تعليمات جديدة من الشركات المصنعة”.

وأشار لاتيمر إلى أن الزبناء باتوا يسألون كثيرًا عن الأسعار المستقبلية وتوافر الموديلات، مما يعكس حالة من الحذر العام، إلا أن السوق، بحسب قوله، لم يشهد بعد موجة ذعر أو انخفاضا واضحا في حركة المبيعات.

وفي ظل الانقسام حول فعالية هذه السياسة، أعلنت شركة “فورد” (عملاق صناعة السيارات الأميركية) نيتها رفع أسعار بعض المركبات إذا لم تُلغَ الرسوم الجديدة. أما “فولكس فاغن” (العملاق الألماني) فأكدت أنها ستحافظ على الأسعار الحالية حتى نهاية مايو/أيار، لكنها لم تستبعد زيادات مستقبلية لتعويض ارتفاع التكاليف. وتعكس هذه المواقف التحديات المتزايدة التي تواجهها كبرى الشركات في التكيّف مع المتغيرات الجديدة، خاصة فيما يتعلق بإمدادات قطع الغيار وأسعار التصنيع.

تحوّلات في سلوك المستهلكين

من جهة المستهلكين، تتجلّى ملامح القلق بوضوح. نيكول مولي، معلمة بمدرسة ابتدائية في واشنطن، كانت تخطط لتغيير سيارتها هذا الصيف، إلا أن الأخبار حول الرسوم الجمركية دفعتها إلى إعادة التفكير في قرارها. وتقول “قرأت أن الأسعار قد تستمر في الارتفاع، وأنا لا أستطيع تحمّل قرض أكبر، لذلك سأحاول إصلاح سيارتي والاحتفاظ بها عامًا إضافيًا على الأقل”.

يمثل موقف نيكول مثالًا على التغير السريع في سلوك الاستهلاك، حيث أصبحت فئات واسعة من الأميركيين، خصوصًا من ذوي الدخل المتوسط والمحدود، تؤجّل قرارات الشراء وتُعيد تقييم أولوياتها.

وقد أكد تقرير حديث صادر عن منصة “ريدفين” العقارية هذا الاتجاه، مشيرًا إلى أن أكثر من 30% من الأميركيين باتوا يؤجلون قراراتهم الشرائية الكبرى بسبب غموض السياسات الجمركية، في حين عبّر أكثر من نصف المشاركين في الاستطلاع عن شعورهم بالقلق أو الحذر حيال شراء سيارة أو منزل في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية.

دعم نقابي مقابل تحذيرات أكاديمية

على صعيد آخر، يحظى قرار فرض الرسوم بدعم من بعض النقابات، أبرزها اتحاد عمال السيارات “يو إيه دبليو” (UAW). إذ صرّح رئيس الاتحاد، شون فاين، بأن “الرسوم الجمركية أداة فعالة لدفع الشركات للقيام بما هو صائب، والهدف منها هو إعادة الوظائف إلى الولايات المتحدة والاستثمار في العمالة الأميركية”.

ورغم هذا الدعم النقابي، يحذر العديد من الاقتصاديين من مغبّة التوسع في السياسات الحمائية دون خطط موازية لحماية المتضررين. من هؤلاء البروفيسورة كارا رينولد، رئيسة قسم الاقتصاد بالجامعة الأميركية في واشنطن، التي قالت في حديثها للجزيرة نت إن فرض رسوم جمركية بهذا الحجم سيؤدي على الأرجح إلى ارتفاع الأسعار، نتيجة تقلص المنافسة على المديين القصير والبعيد.

وأضافت “قد نشهد بالفعل عمليات نقل للإنتاج إلى أميركا الشمالية لتفادي الرسوم، لكن الأسعار لن تعود إلى سابق عهدها، لأن تكلفة استيراد القطع من الخارج كانت دائمًا أقل من الإنتاج المحلي”.

وعبرت رينولد عن قلقها من أن تضر هذه السياسات بعلاقات الولايات المتحدة التجارية العالمية قائلة “أخشى أن تكون الولايات المتحدة قد ألحقت ضررًا دائمًا بشراكاتها التجارية، إذ إن مبررات فرض الرسوم تبدو متناقضة وغير واضحة، وهذا ما فاقم حالة الغموض بشأن مستقبل التجارة الأميركية”.

الوظائف على المحك

تشير دراسات اقتصادية سابقة إلى أن هذه السياسات قد تُحدث نتائج عكسية، خاصة على مستوى سوق العمل. فقد أظهرت دراسة صادرة عام 2018 عن معهد “بيترسون” للاقتصاد الدولي، أن فرض رسوم بنسبة 25% على واردات السيارات وقطع الغيار قد يؤدي إلى فقدان نحو 195 ألف وظيفة خلال عام واحد فقط، نتيجة ارتفاع الأسعار وتراجع الطلب.

وبينما تراهن الإدارة الأميركية على هذه الرسوم كوسيلة لتقليص الاعتماد على الخارج وتعزيز الإنتاج المحلي، فإن مستقبل سوق السيارات في الولايات المتحدة لا يزال غامضًا. وفي ظل استمرار الجدل بين المؤيدين والمعارضين، يتابع المستهلكون والعمال على حد سواء تطورات هذه السياسات، التي قد تعيد رسم خريطة التجارة العالمية وتُعيد تعريف مفهوم “صُنع في أميركا”.

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.