بغداد– منذ أكثر من 7 أشهر، وتحديدا منذ بدء عمل البنك المركزي بالمنصة الإلكترونية ونظام التحويل المالي الدولي “سويفت” (SWIFT)، لم تشهد أسعار صرف الدولار في العراق استقرارا رغم محاولات الحكومة والبنك المركزي السيطرة على سعر الصرف في الأسواق الموازية (السوداء).

ولا يزال سعر الصرف في الأسواق الموازية يسجل ارتفاعا كبيرا مقارنة بالسعر الرسمي، إذ سجلت العاصمة بغداد، أمس الثلاثاء، 1480 دينارا للدولار، في الوقت الذي يبلغ فيه سعر الصرف الرسمي 1320 دينارا للدولار.

ورغم إقرار الموازنة العامة للبلاد قبل نحو 3 أسابيع، وبيع البنك المركزي لما يزيد على 200 مليون دولار يوميا، فإن أسئلة عديدة تُطرح عن سبب استمرار ارتفاع سعر الصرف.

الموقف الحكومي

وأكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مرارا أن سعر الصرف سيتراجع فور إقرار الموازنة العامة للبلاد، وهو ما أكده عديد من المسؤولين الحكوميين طيلة الأشهر الماضية، غير أن ذلك لم يحدث حتى الآن.

يقول مظهر محمد صالح المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي إن ثمة علاقة غير مباشرة بين نفقات الموازنة العامة وإيراداتها من جهة، ودور السياسة النقدية في السيطرة على سعر الصرف في السوق الموازي وتقريبه نحو السعر الرسمي من جهة أخرى.

ويتابع صالح -في حديثه للجزيرة نت- أن سعر الصرف الذي يدافع عنه البنك المركزي يتم من خلال سياسات التدخل لتحديد حجم السيولة المحلية التي تستند على احتياطات أجنبية تعتمد بشكل غير مباشر على عائدات النفط في الموازنة العامة، مبينا أن الاحتياطي الأجنبي النقدي للبلاد يقف في المقابل منه الطلب المحلي على العملة الأجنبية الذي يتأثر بالإنفاق العام في الموازنة بشكل كبير.

ويضيف “تشكل نسبة النفقات العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي قرابة 50%، ثلثا ذلك الإنفاق يتم تمويله بالدينار العراقي، وبالتالي، فالعلاقة بين إيرادات النفط والاحتياطات الأجنبية هي علاقة طردية، في حين تبقى العلاقة بين الإنفاق الحكومي -متمثلا في الموازنة العامة- تمثل مصدر الطلب على العملة الأجنبية من خلال قوى السوق المحلي وبنسبة تقارب 60%؜ من إجمالي النمو في العملة المصدرة، وهو ما يمكن اعتباره علاقة عكسية”.

ويختتم أن ذلك يشكل عامل ضغط على الاحتياطي الأجنبي، بما يتطلب التوازن الدقيق في دور السياسة النقدية في توفير الاستقرار في سوق الصرف، مشيرا إلى أنه من المهم أن تتفوق العوامل الطردية (الاحتياطات) على العوامل الأخرى العكسية (الطلب على العملة الأجنبية)، وهو ما تعمل السياسة النقدية للبنك المركزي العراقي على تحقيقه لبلوغ الاستقرار في المستوى العام للأسعار من خلال تحقيق التقارب بين سعري الصرف الرسمي والموازي.

الموازنة ومزاد العملة

من جانبه، يقول الخبير المالي محمود داغر إن ارتفاع سعر الصرف يرجع إلى أن المعروض من الدولار لأغراض الاستيراد أقل من الحاجة الفعلية، مبينا أن مبيعات البنك المركزي اليومية المقدرة بنحو 200 مليون دولار لا تعني بالضرورة بيع هذه الكمية من الدولار فعليا، إذ إن جزءا مهما من هذه المبيعات لا تتم بفعل رفض معاملات الشراء عبر نظام المنصة الإلكترونية لعدم امتثالها للشروط التي ينص عليها نظام التحويل المالي الدولي.

وبخصوص ما يتعلق بارتباط سعر الصرف وإقرار الموازنة، يضيف داغر -في حديثه للجزيرة نت- أن لا علاقة للموازنة بسعر الصرف، إذ إنها تضم نفقات مالية كبيرة ممولة بالدينار، وهذه الأموال ستتحول إلى سلع وخدمات أجنبية مقومة بالدولار، وهو ما سيزيد من الطلب على الدولار، مبينا أنه لا يمكن أن يؤدي إقرار الموازنة العامة للعراق إلى خفض سعر صرف الدولار نتيجة للعوامل التي تتحكم في الاقتصاد العراقي.

ويتسق حديث داغر مع ما تراه الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم التي تتوقع أن يستمر ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، واعتبرت أن آلية إدارة السياسة النقدية في البلاد خاطئة، مبينة أن مزاد بيع العملة مستمر في بيع مئات ملايين الدولارات أسبوعيا، وهو ما يطرح عديدا من التساؤلات عن المستفيد النهائي من كميات الدولار المبيعة.

تأثير مباشر على السكان والتجار

وفي حديثها للجزيرة نت، توضح سميسم أن ما يتم بيعه في مزاد بيع الدولار في البنك المركزي لا يذهب للمواطنين العراقيين، بما يؤدي لفجوة كبيرة بين مبيعات المركزي العراقي والطلب الحقيقي الذي يؤدي بالمحصلة إلى فرق كبير بين سعر الصرف الرسمي والموازي، وهو ما ينعكس على أسعار السلع في الأسواق.

ويحذر الخبير الاقتصادي صفوان قصي من أن الموازنة المالية العامة للبلاد ستدخل حيز التنفيذ مطلع يوليو/تموز المقبل، بما سيؤدي لرفع حجم الإنفاق بالدينار العراقي، وهو ما سيشكل مزيدا من الضغط على الدينار العراقي وسعر صرف الدولار بالأسواق الموازية، وهو ما يتطلب تدخلا من وزارة المالية لسحب الدينار الفائض في الأسواق المحلية عبر تقديم خدمات وسلع حكومية، وبغير ذلك سيرتفع حجم التضخم وسنشهد ارتفاعا في سعر الدولار الشهر القادم، على حد تعبيره.

في غضون ذلك، يرى الباحث في الشأن الاقتصادي محمد الحمداني أن تذبذب سعر الصرف أثر بصورة مباشرة على المواطنين، إذ إن أكثر من 95% من السلع المبيعة في الأسواق مستوردة، وإن كثيرا من التجار لا يزالون يعتمدون الطرق القديمة في الحوالات المالية التي تعتمد على سعر الصرف الموازي، وهو ما أدى لارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بصورة كبيرة.

تمتلىء الاسواق العراقية بالبضائع المستوردة وفي مقدمتها التركية فيما يغيب الإنتاج المحلي بشكل شبه كامل

التجارة غير الشرعية

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى الحمداني أن السلع الأكثر تأثرا بسعر صرف الدولار الموازي هي السلع الغذائية والاستهلاكية، لا سيما المستوردة من دول تخضع لعقوبات أميركية، لا يستطيع البنك المركزي العراقي تحويل الأموال إليها، مثل إيران وسوريا ولبنان التي يستورد العراق منها مواد غذائية وفواكه وخضراوات وملابس، فضلا عن المواد البلاستيكية وغيرها، وهو ما أثر بصورة مباشرة على المواطنين والتجار على حد سواء.

ويذهب في هذا المنحى الخبير الاقتصادي صفوان قصي الذي يقول “من الواضح أن سياسة البنك المركزي لا تستطيع السيطرة بمفردها على سعر الصرف ما لم تتم السيطرة من قبل وزارة المالية ودائرة الجمارك على البضائع المستوردة التي لا تخضع للتحويلات المالية الرسمية”.

وتابع أن سلعا كثيرة تباع في العراق من قبل تجار لا يتعاملون مع نظام بيع العملة في البنك المركزي لأسباب كثيرة، بحسب قصي، لعل أهمها أن الدول المصنعة لهذه السلع المستوردة تخضع لعقوبات من قبل الولايات المتحدة، وبالتالي لا يمكن تحويل الأموال لهذه الدول، فضلا عن أن بعض التجار يتهربون من دفع الضرائب والجمارك عبر إدخال البضائع بطرق غير قانونية، بما يحميهم من تتبع حركة أموالهم.

ويتابع أن الحل الأمثل الذي يمكن من خلاله الحد من هذه الحالة يكمن في متابعة القوات الأمنية على المنافذ الحدودية للبضائع المستوردة، والتحقق من أن شراءها قد تم عبر التحويلات المالية الرسمية، مشيرا إلى أن السلع التي تدخل من دون الامتثال للتحويلات المالية الرسمية تضغط بقوة على الدينار العراقي، على اعتبار أن موردي هذه البضائع يجمعون الدولار من الأسواق المحلية، بما يتسبب في استمرار ارتفاع سعر الصرف الموازي، وهو ما قد يخضع بالضرورة لإرادات قوية لم تتمكن الحكومة العراقية حتى الآن من التعامل معها، وفق تعبيره.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.