في تطور لافت، يضغط صندوق الثروة السيادي النرويجي، أحد أكبر صناديق الاستثمار في العالم، على شركة مايكروسوفت بسبب أنشطتها في إسرائيل والأراضي الفلسطينية. هذا الضغط يأتي في ظل اتهامات متزايدة بأن تقنيات الشركة ربما استُخدمت في العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية، مما يثير جدلاً واسعاً حول المسؤولية الاجتماعية للشركات ودورها في الصراعات الدولية. يمثل هذا التحرك تصعيداً في المواقف المتخذة من قبل الصندوق تجاه الشركات المتورطة في أنشطة تعتبر غير أخلاقية، ويدعو إلى مزيد من الشفافية حول استخدام التكنولوجيا في مناطق النزاع.

صندوق الثروة السيادي النرويجي يوجه انتقادات حادة لـ مايكروسوفت

كشفت صحيفة كالكاليست الإسرائيلية عن نية الصندوق النرويجي دعم اقتراح سيُطرح خلال الاجتماع السنوي للمساهمين في مايكروسوفت يوم الجمعة المقبل. يدعو هذا الاقتراح الشركة الأمريكية إلى نشر تقرير مفصل حول المخاطر المرتبطة بعملياتها في البلدان التي تشهد انتهاكات لحقوق الإنسان. تهدف هذه الخطوة إلى إجبار مايكروسوفت على الكشف عن مدى فعالية إجراءاتها الرقابية المتعلقة بحقوق الإنسان، خاصةً في ظل الأدلة المتزايدة التي تشير إلى استخدام تقنياتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

تفاصيل الاقتراح والجهات الداعمة

الاقتراح المرفوع من منظمة “إيكو” يركز على إجبار مايكروسوفت على المساءلة عن دورها المحتمل في تسهيل العمليات العسكرية الإسرائيلية. يطالب التقرير المزمع نشره بتوضيح العلاقة بين البنية التحتية السحابية للشركة والجيش الإسرائيلي، وتقييم المخاطر القانونية والأخلاقية الناتجة عن ذلك. يشير هذا إلى قلق متزايد بشأن مشاركة الشركات التكنولوجية في الصراعات المسلحة ودورها في تفاقم الأضرار التي تلحق بالمدنيين.

تجاوز الانتقادات: معارضة ترقية المدير التنفيذي وخطة التعويضات

لا يقتصر تدخل الصندوق النرويجي على دعم المقترح الحقوقي. فبالإضافة إلى ذلك، يعتزم الصندوق التصويت ضد إعادة تعيين ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، كرئيس لمجلس الإدارة، وكذلك ضد حزمة تعويضاته المالية الضخمة. يؤكد الصندوق، في بيان رسمي، على ضرورة أن يأخذ مجلس إدارة مايكروسوفت في الاعتبار المخاطر المادية والتداعيات البيئية والاجتماعية الناتجة عن نشاط الشركة ومنتجاتها.

هذا الموقف يعكس فلسفة استثمارية لدى الصندوق ترفض منح حزم تعويضات مبالغ فيها للمديرين التنفيذيين، وهو ما سبق وأن عبر عنه في معارضته لحزمة أجور إيلون ماسك، رئيس شركة تسلا. تعتبر هذه الخطوة بمثابة رسالة قوية للشركات المفترض أنها تنتهج ممارسات غير أخلاقية، مفادها أن الأرباح لا يجب أن تأتي على حساب حقوق الإنسان والمبادئ الأخلاقية.

تصعيد في المواقف: مايكروسوفت في قلب الجدل الإسرائيلي-الفلسطيني

يمثل هذا الموقف تصعيدًا مستمرًا لتحركات الصندوق النرويجي تجاه الشركات المرتبطة بإسرائيل، حيث اتخذ الصندوق مؤخرًا سلسلة من الإجراءات التي وصفتها كالكاليست بأنها “معادية لإسرائيل”. وتشمل هذه الإجراءات:

  • بيع حصصه في 13 شركة إسرائيلية في أغسطس الماضي استنادًا إلى توصيات لجنة الأخلاقيات التابعة له.
  • إعلان مايكروسوفت في سبتمبر الماضي عن حجب وصول وحدة 8200 الإسرائيلية (وحدة استخبارات) إلى بعض خدماتها السحابية.

تشير هذه التطورات إلى تحول واضح في توجهات الصندوق نحو تشديد القيود الأخلاقية على الاستثمارات المرتبطة بأنشطة ذات علاقة بالممارسات العسكرية الإسرائيلية. وهذا يعكس أيضاً الضغط الدولي المتزايد على الشركات لتبني ممارسات تجارية مسؤولة واحترام حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.

تأثير كبير في قرارات الشركة: حصة الصندوق في مايكروسوفت

يمتلك الصندوق النرويجي حصة كبيرة في شركة مايكروسوفت، تبلغ 1.35% حتى نهاية يونيو الماضي، وتقدر قيمتها بـ 50 مليار دولار. هذا يجعل مايكروسوفت ثاني أكبر استثمار للصندوق بعد شركة “إنفيديا”. حجم هذه الحصة يمنح الصندوق النرويجي مكانة بارزة بين المساهمين، ويمنحه تأثيراً فعلياً في التصويت على القرارات الهامة، مثل إعادة تعيين الرؤساء التنفيذيين وحزم التعويضات.

بالنظر إلى أن الصندوق هو الثامن الأكبر من بين المساهمين العالميين في مايكروسوفت، فإن صوته يُعدّ مهماً للغاية، ويمكن أن يؤثر بشكل كبير على موازين التصويت في الاجتماع السنوي المقبل. هذه الحقيقة تزيد من الضغط على مايكروسوفت لمعالجة المخاوف التي أثارها الصندوق، وإجراء تغييرات ملموسة في ممارساتها لضمان احترام حقوق الإنسان.

مستقبل الاستثمارات الأخلاقية: أكثر من مجرد ضغط على مايكروسوفت

الاجتماع السنوي للمساهمين في مايكروسوفت يُعقد في ظل مناخ شديد الحساسية. تواجه الشركة انتقادات متزايدة بشأن دورها في البنية التكنولوجية التي يُعتقد أنها استُخدمت في العمليات العسكرية الإسرائيلية. ويأتي تصعيد الضغط الحقوقي العالمي كعامل إضافي يزيد من تعقيد الموقف.

هذا الأمر يسلط الضوء على أهمية الممارسات الاستثمارية الأخلاقية، والتأثير الذي يمكن أن تحدثه صناديق الثروة السيادية الكبرى على سلوك الشركات. ففي الوقت الذي تسعى فيه الشركات لتحقيق أرباح مالية، يجب عليها أيضاً أن تتحمل مسؤولية اجتماعية وأخلاقية، وأن تضمن أن أنشطتها لا تساهم في انتهاك حقوق الإنسان أو دعم الصراعات المسلحة. ويبدو أن الصندوق النرويجي يسعى إلى أن يكون في طليعة هذه الحركة، وأن يرسل رسالة واضحة للشركات مفادها أن الاستدامة الأخلاقية لا تقل أهمية عن الاستدامة المالية.

شاركها.
اترك تعليقاً