مع حلول موسم الأعياد، تشهد أسواق بيروت انتعاشًا ملحوظًا، وإن كان محدودًا، يعكس رغبة اللبنانيين في استعادة بعضًا من بهجة الحياة وسط ظروف اقتصادية صعبة. هذا المشهد الاحتفالي، الذي يعود للظهور بعد سنوات من الأزمات المتتالية، بما في ذلك تداعيات الحرب الأخيرة، يمثل بصيص أمل في إمكانية تحريك العجلة الاقتصادية. ورغم أن القدرة الشرائية لا تزال محدودة، إلا أن مجانية الدخول إلى هذه الأسواق شجعت العائلات على التجول والمشاركة في الأجواء الاحتفالية.
نبض الأعياد يعود إلى أسواق بيروت
عادت الأسواق في قلب العاصمة اللبنانية لاستقبال الآلاف من الزوار يوميًا، مزينة بأكشاك خشبية وخيام مضاءة، تفوح منها روائح المأكولات الشهية وأصوات الموسيقى. هذا المشهد يتكرر في مناطق مختلفة من لبنان خلال هذه الفترة من العام، ليضفي لمسة من البهجة على حياة السكان. هذا الانتعاش الموسمي يمثل فرصة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة لعرض منتجاتها وخدماتها، ويساهم في خلق بعض فرص العمل المؤقتة.
الأثر الاقتصادي المحدود للأسواق الموسمية
اقتصاديًا، تلعب هذه الأسواق دورًا كمحرك موسمي، يضخ سيولة ضرورية في السوق المحلية، خاصةً في ظل الركود الذي يعاني منه القطاع التجاري. لكن، يثير هذا الأمر تساؤلات حول مدى قدرة هذه الأسواق على إحداث أثر مستدام في الاقتصاد اللبناني، خاصةً مع غياب سياسات دعم واضحة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة. العديد من الخبراء يتفقون على أن هذه الأسواق تمثل متنفساً مرحلياً ومؤشراً إيجابياً على قابلية السوق للتحرك، ولكنها ليست حلاً جذرياً للأزمة الاقتصادية.
حركة السياحة والمغتربين ودورها في الانتعاش
يعزو الخبراء هذا الانتعاش النسبي إلى زيادة حركة السياحة وعودة المغتربين لقضاء عطلات الأعياد في لبنان. يشير عماد عكوش، الخبير الاقتصادي والمالي، إلى أن مناطق مثل ساحة الشهداء وشارع الحمرا في بيروت تستفيد بشكل خاص من هذا التدفق السياحي. هذا التدفق يرفع من حجم الإنفاق اليومي، وينعش قطاعات مثل المطاعم والفنادق. وتشير التقديرات إلى دخول حوالي 400 ألف وافد إلى لبنان خلال هذا الشهر، بمعدل يومي يتراوح بين 16 و18 ألف شخص، وهو رقم يعتبر جيدًا بالنظر إلى الظروف الحالية.
إيرادات الأعياد: تركيز الثروة وتحديات الضرائب
على الرغم من الإقبال الجيد، يرى الخبير الاقتصادي أنيس أبو دياب أن الإيرادات الناتجة عن هذه الحركة تتركز في أيدي فئة محدودة من أصحاب المؤسسات السياحية والفندقية. ويشير إلى أن هناك فجوة كبيرة في العدالة الضريبية، وانتشارًا واسعًا للتهرب الضريبي، مما يحرم الخزينة اللبنانية من إيرادات كان يمكن توظيفها في دعم البرامج الاجتماعية ومساندة الفئات الأكثر تضررًا. هذا الأمر يطرح تحديات كبيرة أمام تحقيق تنمية اقتصادية شاملة ومستدامة. الوضع الاقتصادي في لبنان لا يزال هشًا للغاية.
واقع الإنفاق: حذر الزوار وتأثير التضخم
في المقابل، يرى الخبير المالي والاقتصادي منير يونس أن الحركة السياحية والتجارية خلال موسم الأعياد لا تعكس تعافيًا اقتصاديًا حقيقيًا، بل تبقى مجرد نشاط موسمي محدود الأثر. ويؤكد أن الاقتصاد اللبناني لا يزال يعاني من نمو ضعيف جدًا، وأزمة مالية ومصرفية مستمرة منذ عام 2019. بالإضافة إلى ذلك، فإن معدلات التضخم المرتفعة، التي تتراوح حاليًا بين 15 و16%، تزيد من الأعباء المعيشية على المواطنين، مما يضعف قدرتهم على الاستفادة من أي حركة اقتصادية موسمية.
آراء الباعة والزوار: بين الأمل والواقع
تتباين آراء الباعة والزوار في الأسواق الموسمية، بين من يرى فيها متنفساً ضرورياً، ومن يلمس بوضوح حجم التراجع في القدرة الشرائية وحركة البيع. ريان، صاحبة محل لبيع المصنوعات التراثية، تعبر عن قلقها بشأن الوضع الاقتصادي، وتشير إلى أن الناس أكثر حذرًا في إنفاقهم، وأنهم يسألون عن الحرب أكثر من الأسعار. بينما مايا حومانة، تبيع الجوارب الملونة، تبدو أكثر تفاؤلاً، وتشير إلى أن الأجواء جميلة والناس سعيدة.
مساحة تنفس في ظل الأزمات
يعكس ربيع قاسم، الذي يراقب المشهد في الأسواق، حالة الإحباط التي يعيشها الكثير من اللبنانيين، معتبرًا أن الأجواء الحالية لا تشبه لبنان الذي عرفه. أما أحمد، فيرى في هذه الفعاليات مساحة تنفس نادرة، وسط ازدحام متقطع، ويؤكد أن الناس بحاجة إلى هذه الأجواء لتغيير الواقع الذي عاشته. كارول الحاج، التي تبيع القطع المصنوعة يدويًا، تشير إلى أن الإقبال جيد، خاصة من العائلات والأطفال.
في الختام، على الرغم من أن أسواق بيروت في موسم الأعياد تمثل بارقة أمل في إمكانية تحريك الاقتصاد، إلا أنها ليست سوى حل مؤقت. لتحقيق تعافٍ اقتصادي حقيقي ومستدام، يتطلب الأمر إصلاحات هيكلية شاملة، وسياسات دعم فعالة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وجهودًا مكثفة لمكافحة التهرب الضريبي، وتحسين مناخ الاستثمار. يبقى الأمل معلقًا على قدرة لبنان على تجاوز أزماته، واستعادة عافيته الاقتصادية. شارك هذا المقال مع أصدقائك لزيادة الوعي حول الوضع في لبنان.















