كابل تتنفس من جديد: مشروع إعادة تأهيل الطرق وتحديات المستقبل

تشهد العاصمة الأفغانية كابل تحولاً ملحوظاً في البنية التحتية، مع إطلاق مشروع ضخم لإعادة إنشاء وتعبيد شبكة الطرق الرئيسية والفرعية. هذا المشروع، الذي بدأ منذ شهور، يمثل ورشة عمل عمرانية مفتوحة تهدف إلى معالجة عقود من الإهمال وتدهور شبكة الطرق، ويعد من أكبر مشاريع البنية التحتية التي تشهدها المدينة منذ عام 2021. وبينما تراه الحكومة خطوة ضرورية لتحسين حركة المرور وتحديث المظهر العام للعاصمة، يراقب المواطنون والخبراء عن كثب تداعياته الاقتصادية والاجتماعية، معتبرين أن نجاحه يعتمد على عوامل متعددة تتجاوز مجرد رصف الطرق.

معاناة كابل مع الازدحام المروري وتدهور البنية التحتية

عانت كابل لفترة طويلة من أزمة حقيقية في حركة المرور، تفاقمت بسبب تدهور شبكة الطرق. الصراعات المتتالية، وغياب الصيانة الدورية، والتخطيط العمراني غير الفعال، كلها ساهمت في هذا الوضع. ومع الزيادة السكانية الهائلة التي شهدتها المدينة خلال العقدين الماضيين، أصبحت الطرق الحالية غير قادرة على استيعاب العدد المتزايد من المركبات.

يؤكد المهندس عبد الله حبيبي أن “معظم طرق كابل تم رصفها قبل ثلاثة عقود، والآن يبلغ عدد السيارات المسجلة في المدينة حوالي مليون سيارة. لقد صُممت كابل لاستيعاب ربع هذا العدد فقط.” ويضيف أن الإصلاحات الحقيقية يجب أن تتضمن توسعة الطرق، وتحسين شبكات الصرف، ومعالجة مشاكل الانحدارات، بالإضافة إلى إنشاء أنفاق وجسور في المناطق الأكثر ازدحاماً، وليس مجرد رصف سطحي.

تفاصيل مشروع إعادة تأهيل الطرق في كابل

أعلنت بلدية كابل عن تفاصيل برنامج إعادة تعبيد الطرق، والذي يستهدف في مرحلته الحالية أكثر من 450 كيلومترًا من الشوارع الرئيسية في العاصمة. يهدف المشروع إلى تحسين المظهر العام للمدينة، ويتضمن عدة جوانب رئيسية:

  • إعادة رصف كامل للشوارع والطرق المتضررة.
  • توسعة مسارات المرور في الشوارع الرئيسية لزيادة القدرة الاستيعابية.
  • بناء شبكات صرف حديثة لمنع تراكم المياه خلال موسم الأمطار.
  • تركيب إنارة موحدة تعتمد على تقنيات توفير الطاقة.
  • تخطيط ممرات للمشاة ووضع إشارات مرورية جديدة لتعزيز السلامة المرورية.

صرح قاري زاهد، المتحدث باسم بلدية كابل، بأن المشروع يتم تمويله بشكل مباشر من الحكومة بتكلفة إجمالية تبلغ 122 مليون دولار أمريكي. وأضاف أن الاعتماد على المهندسين المحليين والشركات الأفغانية يمثل جزءًا من سياسة تهدف إلى خفض التكاليف وبناء القدرات المحلية، مؤكداً أن البلدية تعمل حاليًا على أكثر من 400 مشروع مختلف يتعلق ببناء الطرق والجسور.

ردود فعل السكان: بين الترحيب والمخاوف

تباينت ردود فعل سكان كابل تجاه مشروع إعادة تأهيل الطرق. عبر الكثيرون عن ارتياحهم لهذه الخطوة، معربين عن أملهم في تحسين حركة المرور وتخفيف الازدحام. في المقابل، أعرب آخرون عن قلقهم بشأن الإغلاقات المؤقتة للطرق وتأثيرها على أعمالهم وحياتهم اليومية.

يقول حياة الله نوري، سائق سيارة أجرة يعمل في وسط المدينة: “نعاني من الازدحام المروري منذ سنوات طويلة، والطرق المتهالكة تتسبب في أعطال السيارات وخسائر مادية كبيرة. الإصلاحات مهمة جدًا، ولكن المشكلة تكمن في محدودية الطرق البديلة، مما يجعل التنقل خلال فترة البناء أكثر صعوبة.”

أما رحيم ناصري، صاحب متجر، فيرى أن “المدينة بحاجة إلى تغيير جذري في مظهرها، وأن الاستثمارات في الطرق ستعود بالنفع على الجميع. لكن سرعة وجودة التنفيذ هما العاملان الحاسمان في نجاح هذه الخطة.”

التحديات التي تواجه مشروع تطوير البنية التحتية في كابل

على الرغم من الترحيب النسبي من قبل السكان، يواجه مشروع إعادة تأهيل الطرق في كابل تحديات كبيرة، وعلى رأسها التمويل في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها أفغانستان. فقد شهدت البلاد تراجعًا في المساعدات الدولية وتقلصًا في الدورة الاقتصادية، مما قد يعرض مشاريع البنية التحتية لخطر التوقف أو التأخير.

يشير الخبير الاقتصادي عبد الكريم شريف إلى أن تطوير البنية التحتية عادة ما ينشط الاقتصاد، ولكنه يتطلب استدامة مالية وإدارية. ويضيف: “إذا لم تتوفر ميزانية طويلة الأمد لصيانة الطرق بعد بنائها، فإنها ستعود إلى التدهور خلال سنوات قليلة.” ويؤكد أن نمو الحركة التجارية في العاصمة يعتمد بشكل مباشر على كفاءة الطرق، خاصة في ظل غياب شبكة نقل عام فعالة.

ويوضح شريف أن “تحسين الطرق قد يرفع مستوى النشاط التجاري بنسبة تصل إلى 18% خلال السنوات الثلاث المقبلة، إذا استمر العمل وفق خطط مدروسة.”

الأبعاد السياسية والاجتماعية لمشروع كابل

لا يقتصر مشروع إعادة تأهيل الطرق في كابل على الجانب الخدمي والاقتصادي، بل يحمل أيضًا أبعادًا سياسية واجتماعية مهمة. تسعى الحكومة من خلال هذا المشروع إلى تقديم صورة مدينة مستقرة تتجه نحو إعادة الإعمار، وإظهار التزامها بتحسين حياة المواطنين.

ترى الباحثة الاجتماعية ليلى فايز أن “تحسين الطرق ليس مجرد خطوة خدمية، بل يحمل تأثيرًا نفسيًا ومعنويًا على السكان. عندما يشعر الناس بأن مدينتهم تتحسن، يزداد انتماؤهم إليها وتقل مشاعر القلق بشأن المستقبل.”

وتشير فايز إلى أن العاصمة بحاجة إلى رؤية شاملة تشمل تطوير النقل العام، وإنشاء الحدائق والمساحات العامة، وتنظيم الأسواق العشوائية، لأن الطرق وحدها لا تكفي لتغيير المظهر الحضري للمدينة.

مستقبل كابل: بين التحديات والطموحات

يواجه كابل مفترق طرق، حيث تسعى إلى تجاوز الماضي والتطلع نحو مستقبل أكثر تنظيمًا وحداثة. ومع ذلك، فإن نجاح مشروع إعادة تأهيل الطرق يعتمد على عدة عوامل حاسمة، بما في ذلك:

  • استدامة التمويل وعدم توقف المشاريع في منتصف الطريق.
  • الحفاظ على جودة التنفيذ لضمان بقاء الطرق لفترة طويلة.
  • وجود خطة صيانة دورية وفعالة.
  • دمج المشروع في رؤية حضرية أوسع تشمل النقل العام والبنية البيئية والخدمات.

ويختتم المؤرخ الأفغاني كريم زدران حديثه بالإشارة إلى الدور المحوري الذي يلعبه المولوي عبد الرشيد بلوش، رئيس بلدية كابل، في تحسين صورة العاصمة خلال السنوات الأربع الماضية، من خلال تمويل حكومي مباشر وإشراف شخصي.

من هو رئيس بلدية كابل؟

المولوي عبد الرشيد بلوش، المولود عام 1967 في ولاية هلمند، يتمتع بخبرة طويلة في المجالين الديني والقتالي. فقد أكمل تعليمه الديني عام 1999، وشارك في القتال ضد القوات السوفياتية في أفغانستان. بعد الغزو الأميركي، أسس مع مجموعة من المجاهدين النواة الأولى للكفاح المسلح في ولاية هلمند، وتولى لاحقًا مناصب متعددة في حركة طالبان. بعد فترة من الأسر والإفراج، عُيّن حاكمًا لولاية هرات، ثم عضوًا في لجنة المفاوضات مع الولايات المتحدة، وأخيرًا رئيسًا لبلدية العاصمة كابل.

شاركها.
اترك تعليقاً