مع اقتراب عام 2026، لم تعد قضية الديون العالمية مجرد ارتفاع في الأرقام، بل تحولت إلى تحدٍ وجودي يهدد الاستقرار المالي والاقتصادي العالمي. الفجوة المتزايدة بين متطلبات خدمة الدين وقدرة الاقتصادات على النمو الحقيقي تثير قلقًا بالغًا، فالديون بحد ذاتها ليست الخطر، بل عدم القدرة على إدارتها وتسديدها. هذا المقال يتناول الأبعاد المختلفة لهذه المشكلة، المخاطر المحتملة، والسيناريوهات المتوقعة في عام 2026.

الدين العالمي على أعتاب 2026: تحول في طبيعة المخاطر

يشير صندوق النقد الدولي إلى أن إجمالي الدين العالمي (بما في ذلك ديون الحكومات والشركات والأسر) لا يزال يتجاوز 235% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وعلى الرغم من استقرار وتيرة النمو هذه الديون نسبيًا في عام 2024، إلا أنها لا تزال عند مستويات تاريخية مرتفعة مقارنة بما كانت عليه قبل جائحة كوفيد-19. هذا يعني أن نقطة الانطلاق نحو عام 2026 أكثر هشاشة مما قد توحي به الأرقام الظاهرية.

الخطر الحقيقي لا يكمن في حجم الدين فحسب، بل في تزامن استحقاقات إعادة التمويل مع العجز المالي المزمن والضغوط المتزايدة على الحكومات والمقرضين والشركات. هذه الضغوط تشمل الإنفاق على الأمن والدفاع، والتحول الطاقي، والتصدي لتغير المناخ. هذه العوامل مجتمعة قد تحول عبء الدين القابل للإدارة إلى صدمة سوقية حقيقية إذا اهتزت الثقة.

خط الأساس الجديد للدين العالمي

بحلول نهاية عام 2025، وصل الدين العالمي إلى مستويات قياسية من حيث القيمة الاسمية، مما وضع الأساس لعام 2026. يقدر معهد التمويل الدولي إجمالي الدين العالمي (بما في ذلك ديون القطاع المالي) بنحو 346 تريليون دولار في الربع الثالث من عام 2025، أي ما يعادل حوالي 310% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. تتحمل الاقتصادات المتقدمة الجزء الأكبر من هذه الزيادة، مع احتلال الاقتراض الحكومي الصدارة من حيث الحجم والوتيرة.

هذا الواقع لا يشكل خطرًا مباشرًا، ولكنه يصبح أكثر حساسية مع ارتفاع العوائد الحقيقية، وتراجع السيولة، وضيق الهامش السياسي المتاح لتنفيذ إصلاحات مالية أو هيكلية دون تكلفة اقتصادية أو اجتماعية باهظة.

فجوة القدرة: العامل الحاسم في استدامة الديون

في قلب المشهد الاقتصادي لعام 2026 تبرز “فجوة القدرة” كعامل حاسم في تقييم استدامة الديون. هذه الفجوة تعكس التباعد المتزايد بين حجم الالتزامات المالية القائمة وقدرة الاقتصاد العالمي الفعلية على توليد النمو والإيرادات والهوامش الوقائية اللازمة لاستيعاب الصدمات.

من جهة، ترتفع تكاليف خدمة الديون وإعادة تمويلها، خاصة مع انتقال جزء كبير من الديون إلى آجال استحقاق أقصر وأكثر حساسية لتقلبات أسعار الفائدة. ومن جهة أخرى، يواجه الاقتصاد العالمي قيودًا ديموغرافية وإنتاجية تحد من قدرته على تحقيق نمو مرتفع ومستدام. يتوقع البنك الدولي تباطؤ النمو العالمي إلى 2.3% في عام 2025، مع تحسن محدود إلى حوالي 2.5% في الفترة 2026-2027، وهي مستويات أقل بكثير من متوسطات العقد السابق.

الدين العام: نقطة الضغط الاستراتيجية

تظهر البيانات الدولية أن مركز الثقل في المخاطر قد انتقل تدريجيًا من ميزانيات الأسر إلى القطاع العام. أصبحت المالية العامة حلقة الوصل الرئيسية بين الدين والنظام المالي. يحذر صندوق النقد الدولي من أن مسار الدين العام العالمي قد يتجاوز 100% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2029، وهو أعلى مستوى منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. السيناريوهات السلبية قد تدفع هذا المسار إلى مستويات أعلى بوتيرة أسرع.

تشير منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) إلى أن الدين العام العالمي بلغ مستوى قياسيًا قدره 102 تريليون دولار في عام 2024، مما يعكس تحول المالية العامة إلى محور توازن هش داخل النظام الاقتصادي العالمي.

لماذا عام 2026 تحديدًا؟

عام 2026 ليس خطرًا بسبب حجم الدين فقط، بل بسبب توقيت استحقاقه وتركيبته. وفقًا لبيانات “مراقب الديون” التابع لمعهد التمويل الدولي، تستحق خلال عام 2026 ديون بقيمة تقارب 16 تريليون دولار في الاقتصادات المتقدمة، وحوالي 8 تريليونات دولار في الأسواق الناشئة. هذا يرفع درجة التعرض لأي تشديد مفاجئ في الأوضاع المالية العالمية أو إعادة تسعير للعوائد طويلة الأجل.

في هذه البيئة، تتحول جداول الاستحقاق الكبيرة إلى اختبارات حقيقية للثقة. قد تتحول عمليات الإصدار من كونها إجراءات روتينية إلى نقاط احتكاك حادة، خاصة بالنسبة للمقترضين ذوي الآجال القصيرة، أو المعرضين لتقلبات أسعار الصرف، أو الذين يفتقرون إلى أطر مؤسسية قوية.

انتقال مخاطر السيادة إلى المخاطر المصرفية

أحد أخطر مسارات العدوى هو انتقال الضغوط من ميزانيات الحكومات إلى النظام المالي. تشير تحليلات “المرصد المالي” التابع لصندوق النقد الدولي إلى أن استقرار مسارات الدين في عدد متزايد من الدول قد يتطلب تعديلات مالية أكبر مما هو مخطط له حاليًا. هذا يفتح الباب أمام إعادة تقييم المخاطر السيادية إذا تآكلت المصداقية.

تتمثل الهشاشة الكلاسيكية في العلاقة بين السيادة والبنوك في احتفاظ المصارف بحصص كبيرة من السندات الحكومية المحلية. ولكن، في عام 2026، تضاف طبقة أخرى من التعقيد تتعلق ببنية السيولة وجودة الضمانات وديناميكيات الهامش. هذه العوامل تجعل الخسائر المحتملة قادرة على التحول بسرعة إلى ضغط نظامي واسع النطاق.

الأسواق وإعادة تقييم المخاطر

في الأسواق، يكمن التحدي في احتمال انتقال عام 2026 من مرحلة استقرار نسبي في التسعير إلى مرحلة إعادة تقييم لعلاوة الأجل واتساع فروق العائدات السيادية والائتمانية. تشير بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن إجمالي ديون السندات السيادية وسندات الشركات تجاوز 100 تريليون دولار عالميًا، في حين بلغ إصدار هذه السندات في عام 2024 حوالي 25 تريليون دولار، أي ما يقارب ثلاثة أضعاف مستواه في عام 2007.

هذا الحجم الهائل يعني أن أي تعديل محدود نسبيًا في التسعير يمكن أن ينتقل بسرعة عبر المحافظ ونماذج التمويل، مما يحول قضية الديون من مجرد مشكلة مالية إلى مشكلة تتعلق ببنية السوق. ارتفاع التقلبات يؤدي إلى زيادة علاوات المخاطر، ورفع تكاليف الاقتراض، وإضعاف مسارات الدين، في حلقة تغذية متبادلة.

أربعة مسارات محتملة

في ظل المستويات المرتفعة للدين العالمي والتفاوت في الأوضاع المالية بين الاقتصادات، هناك أربعة مسارات محتملة لتطور عبء الديون:

  • الاستقرار المُدار: ضبط مالي تدريجي، وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق، وتراجع بطيء في التضخم والعوائد الحقيقية.
  • القمع المالي بنسخته الجديدة: توسيع استخدام المدخرات المحلية شبه القسرية والحوافز التنظيمية لاحتواء تكاليف التمويل.
  • ضغوط مجزأة: تكرار صدمات تمويل إقليمية دون أزمة عالمية واحدة.
  • انكشاف الديون: كسر حاد في الثقة، يتطلب تعديلات مالية سريعة أو عمليات إعادة هيكلة ديون واسعة النطاق.

ما الذي يجب مراقبته؟

لتقييم حساسية المسارات المحتملة لعام 2026، يجب مراقبة المؤشرات التالية:

  • نسبة الفائدة إلى الإيرادات والأرصدة الأولية.
  • حصة الديون المستحقة خلال 1-3 سنوات.
  • تحركات مقايضات مخاطر الائتمان السيادي ونتائج مزادات السندات.
  • مؤشرات الهشاشة الخارجية في الأسواق الناشئة.
  • إشارات ضغط السيولة.

الخطر لا يكمن في انفجار حتمي في عام 2026، بل في أن النظام الاقتصادي العالمي يدخل هذا العام بوسادة نمو أضعف، واستحقاقات أكبر لإعادة التمويل، وقيود سياسية أشد، مما يجعل المسارات أكثر حساسية للصدمات.

أكبر 10 دول ديونة في العالم

فيما يلي قائمة بأكبر 10 دول ديونة في العالم (أرقام تقريبية حتى سبتمبر 2025):

  1. الولايات المتحدة: 37.64 تريليون دولار
  2. الصين: 18.31 تريليون دولار
  3. اليابان: 10.23 تريليون دولار
  4. المملكة المتحدة: 3.7 تريليون دولار
  5. فرنسا: 3.6 تريليون دولار
  6. إيطاليا: 3.27 تريليون دولار
  7. ألمانيا: 2.92 تريليون دولار
  8. كندا: 2.3 تريليون دولار
  9. الهند: 2.19 تريليون دولار
  10. البرازيل: 1.71 تريليون دولار

هذا التحليل يسلط الضوء على أهمية الاستعداد لمواجهة التحديات المحتملة المتعلقة بالديون العالمية في عام 2026، والعمل على تعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي العالمي.

شاركها.
اترك تعليقاً