لبنان وصندوق النقد الدولي: نافذة أمل في ظل أزمة مالية طاحنة
يشهد لبنان أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة منذ عام 2019، أدت إلى انهيار الليرة اللبنانية وفقدان جزء كبير من الودائع المصرفية. وفي ظل هذه الظروف الصعبة، تبرز أهمية التعاون مع المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي كأحد سبل الخروج من هذا المأزق. فقد صرّح رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام مؤخرًا عن انفتاحه على مساهمة الصندوق في مشروع قانون يهدف إلى معالجة العجز الهائل في القطاع المالي، والذي يُقدر بنحو 80 مليار دولار. هذا التقدم يبعث على الأمل في إمكانية الحصول على تمويل ضروري لإنعاش الاقتصاد اللبناني المتدهور.
اتفاقية 2022 واستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي
في عام 2022، وقّع لبنان اتفاقية على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي، لكن تنفيذها تأخر بسبب الأوضاع السياسية المعقدة. ومع تولي نواف سلام رئاسة الوزراء، استأنفت المفاوضات مع الصندوق بوتيرة أسرع. يهدف البرنامج الذي يعده البنك المركزي وتقديمه للحكومة قبل نهاية العام إلى تحديد آليات توزيع الخسائر المتراكمة على مختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك الدولة والبنك المركزي والبنوك التجارية والمودعين.
هذه الخسائر تعود جذورها إلى سياسات مالية غير مستدامة، مثل خطط الودائع ذات الفائدة المرتفعة والاقتراض المفرط والتخلف عن سداد الديون السيادية. إن إيجاد حل عادل وشفاف لتوزيع هذه الخسائر يعتبر شرطًا أساسيًا لاستعادة الثقة في النظام المالي اللبناني.
قانون معالجة العجز المالي: مرونة وتعديلات محتملة
أكد رئيس الوزراء سلام أن مشروع القانون الذي يعمل عليه البنك المركزي سيكون “مفتوحًا للتعديلات والتغييرات” ليس فقط لإرضاء صندوق النقد الدولي، بل أيضًا لأخذ آراء وملاحظات مختلف الأطراف الفاعلة في الاعتبار. هذا يشير إلى رغبة الحكومة في إيجاد حل توافقي يلبي احتياجات جميع الأطراف المتضررة.
وأضاف سلام أن الحصول على تمويل بقيمة 3 إلى 4 مليارات دولار يعتبر إنجازًا كبيرًا، وأنه سيساهم في تحسين وضع لبنان أمام المستثمرين، سواء كانوا من القطاعين العام أو الخاص. فالتعاون مع صندوق النقد الدولي يُنظر إليه كضمانة للمستثمرين بأن لبنان يسير على طريق الإصلاح الاقتصادي.
الشروط والإجراءات المطلوبة من لبنان
قبل الموافقة على تقديم أي تمويل للبنان، يطلب صندوق النقد الدولي تطبيق سلسلة من الإجراءات والقوانين. تشمل هذه الإجراءات وضع آلية لإعادة تنظيم القطاع المصرفي، ووضع خطة لسد العجز المالي، وتعزيز الشفافية في المؤسسات المالية، وإعادة هيكلة البنوك المحلية، وتقوية القضاء.
وقد اتخذت الحكومة اللبنانية بالفعل بعض الخطوات في هذا الاتجاه، حيث أقرت قانونًا لزيادة الشفافية في المؤسسات المالية، وقانونًا آخر لإعادة هيكلة البنوك المحلية، بالإضافة إلى قرار لتعزيز استقلالية القضاء. هذه الإجراءات تعتبر مهمة لاستعادة ثقة المستثمرين وجذب الاستثمارات الأجنبية.
تأثير الأزمات المتتالية على الاقتصاد اللبناني
واجه لبنان سلسلة من الأزمات المتتالية منذ عام 2019، بما في ذلك الانهيار المالي، وجائحة كورونا، والانفجار الهائل في ميناء بيروت. أدت هذه الأزمات إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 25%، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة إلى مستويات قياسية.
تخلفت الدولة عن سداد سندات دولية بقيمة 30 مليار دولار تقريبًا في عام 2020، مما زاد من صعوبة الوضع المالي. وقد شكل الدائنون مجموعة لتمثيلهم في مفاوضات إعادة هيكلة الديون، لكن المفاوضات لم تحقق حتى الآن نتائج ملموسة.
ارتفاع قيمة السندات المتعثرة: إشارة إيجابية
على الرغم من التحديات الكبيرة، شهدت قيمة السندات اللبنانية المتعثرة ارتفاعًا ملحوظًا هذا العام، مما يعكس تزايد تفاؤل المستثمرين بشأن إمكانية تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية اللازمة. يعتقد المستثمرون أن حكومة سلام جادة في سعيها لإعادة هيكلة الديون وتحسين الوضع الاقتصادي.
إعادة هيكلة الديون تعتبر خطوة حاسمة لاستعادة الاستدامة المالية للبنان، وتمهيد الطريق للنمو الاقتصادي المستدام. كما أن الحصول على دعم صندوق النقد الدولي سيعزز من قدرة لبنان على التفاوض مع الدائنين وتحقيق شروط إعادة الهيكلة.
خطوات نحو الاستقرار المالي
أكد رئيس الوزراء سلام أن مشروع القانون الخاص بمعالجة العجز المالي سيكون أمام الحكومة في غضون الأسابيع القليلة القادمة، وربما قبل منتصف ديسمبر/كانون الأول. واعتبر هذا الأمر مؤشرًا مهمًا على أن لبنان يسير في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق الاستقرار المالي.
إن التعاون مع صندوق النقد الدولي وتطبيق الإصلاحات الاقتصادية اللازمة يمثلان فرصة حقيقية لإنقاذ لبنان من الانهيار الاقتصادي، وتحسين مستوى معيشة المواطنين، وبناء مستقبل أكثر إشراقًا. يبقى التحدي الأكبر هو ترجمة هذه الوعود إلى أفعال ملموسة على أرض الواقع، وإقناع جميع الأطراف المعنية بضرورة التضحية والتعاون من أجل تحقيق المصلحة الوطنية العليا.















