في خضم التحولات المتسارعة التي يشهدها قطاع السيارات العالمي، وتحديداً مع صعود السيارات الكهربائية، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن دعم بلاده لـ “أفضلية أوروبية” في هذا السوق الحيوي. يأتي هذا الإعلان في وقت حرج تستعد فيه المفوضية الأوروبية لطرح مقترحات جديدة تهدف إلى إعادة هيكلة صناعة السيارات، وتحديداً في ظل المنافسة الشديدة من الشركات الصينية. هذا التحرك يضع السيارات الكهربائية الأوروبية في صدارة الأولويات، ويسعى لحماية الصناعة المحلية وتعزيز مكانتها في السوق العالمي.

دعم فرنسا لـ “الأفضلية الأوروبية” في سوق السيارات الكهربائية

خلال زيارته إلى مدينة تشنغدو الصينية، أكد ماكرون أن حماية قاعدة الإنتاج الأوروبية لم تعد مجرد خيار، بل أصبحت ضرورة اقتصادية واستراتيجية. وأضاف أن فرنسا تدعم مزيدًا من المرونة التكنولوجية بهدف تحقيق قدر أكبر من الحياد التكنولوجي بحلول عام 2035، مشيرًا إلى وجود توافق مع ألمانيا حول هذا التوجه. هذا الحياد التكنولوجي يعني عدم الاعتماد على تقنية واحدة أو مصدر واحد، بل تنويع الخيارات وتعزيز الابتكار المحلي.

دوافع الحماية والتنافسية

الهدف الرئيسي من وراء هذه “الأفضلية الأوروبية” هو حماية مصنعي السيارات الأوروبيين من المنافسة المتزايدة، خاصةً من الشركات الصينية التي تتمتع بدعم حكومي قوي وتكاليف إنتاج أقل. يرى المسؤولون الأوروبيون أن السماح بتدفق غير مقيد للسيارات الكهربائية الصينية قد يؤدي إلى إضعاف الصناعة المحلية، وفقدان الوظائف، وزيادة الاعتماد على الخارج. بالإضافة إلى ذلك، هناك قلق متزايد بشأن جودة وسلامة بعض السيارات الكهربائية الصينية.

إعادة النظر في استراتيجية إزالة الكربون

يأتي موقف ماكرون في الوقت الذي تعيد فيه المفوضية الأوروبية النظر في استراتيجيتها الطموحة لإزالة الكربون من قطاع السيارات. تتعرض المفوضية لضغوط كبيرة من شركات صناعة السيارات لتخفيف القواعد المتعلقة بالانبعاثات، وذلك بسبب المخاوف من التكاليف الباهظة والآثار السلبية على القدرة التنافسية.

مخاوف شركات صناعة السيارات الأوروبية

تخشى شركات صناعة السيارات الأوروبية من أن التسرع في حظر بيع سيارات محركات الاحتراق التقليدية بحلول عام 2035 سيفتح الباب على مصراعيه أمام السيارات الكهربائية الصينية، بينما لا تزال الشركات الأوروبية في طور التحول والتكيف مع التكنولوجيا الجديدة. وتطالب هذه الشركات بفترة انتقالية أطول لتجنب خسائر فادحة في الوظائف، والاستثمار في تطوير البنية التحتية اللازمة لدعم انتشار السيارات الكهربائية. صناعة السيارات تعتبر من أهم القطاعات الاقتصادية في أوروبا، وتوفير فرص العمل فيها أمر بالغ الأهمية.

مبادرة “صنع في أوروبا” لقطع غيار السيارات

في خطوة تصعيدية أخرى، يسعى قطاع السيارات في فرنسا إلى اعتماد علامة “صنع في أوروبا” لقطع غيار السيارات المركبة والمصنعة داخل القارة. وتقترح هذه المبادرة أن تكون نسبة المكونات المحلية في هذه القطع لا تقل عن 80% حتى يتم منحها هذه العلامة المميزة.

تعزيز الإنتاج المحلي كحاجز دفاعي

تهدف هذه العلامة إلى تشجيع المستهلكين على شراء المنتجات الأوروبية، وتعزيز الإنتاج المحلي، وخلق حواجز دفاعية أمام التوسع الصيني في السوق الأوروبية. وتعتبر هذه الخطوة بمثابة رسالة واضحة مفادها أن أوروبا مصممة على حماية صناعتها المحلية وتعزيز استقلاليتها في مجال التكنولوجيا. الإنتاج المحلي يساهم في تعزيز الاقتصاد الأوروبي وتقليل الاعتماد على سلاسل الإمداد الخارجية.

تصعيد الصراع التجاري مع الصين

وفقًا لتقييمات وكالة بلومبيرغ، فإن مبادرة ماكرون تمثل تصعيدًا للصراع التجاري المتزايد مع الصين. ففي حين أن أوروبا تسعى إلى تعزيز علاقاتها التجارية مع الصين، إلا أنها في الوقت نفسه تدرك أهمية حماية صناعتها المحلية من المنافسة غير العادلة.

التوازن بين التعاون والحماية

هذا التوازن الدقيق بين التعاون والحماية يمثل تحديًا كبيرًا للمفوضية الأوروبية، التي تحاول إيجاد حلول ترضي جميع الأطراف. ومع ذلك، فإن الطرح الفرنسي يعكس توجهًا واضحًا نحو دعم السيارات الكهربائية الأوروبية أولاً، وتعزيز مكانتها في السوق العالمي. السياسات التجارية تلعب دورًا حاسمًا في تحديد مستقبل الصناعة الأوروبية.

الخلاصة

إن دعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لـ “الأفضلية الأوروبية” في سوق السيارات الكهربائية يمثل تحولًا هامًا في السياسة الأوروبية تجاه هذا القطاع الحيوي. يهدف هذا التحرك إلى حماية الصناعة المحلية، وتعزيز الابتكار، وخلق فرص عمل جديدة. ومع استمرار المنافسة الشديدة من الشركات الصينية، فإن أوروبا بحاجة إلى اتخاذ خطوات جريئة لحماية مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية. من المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة نقاشات حادة حول هذه القضية، وأن يتم طرح مقترحات جديدة تهدف إلى إعادة هيكلة قطاع السيارات في أوروبا. نتوقع أن تساهم هذه الجهود في تعزيز مكانة أوروبا كمركز عالمي للابتكار والتصنيع في مجال السيارات الكهربائية.

شاركها.
اترك تعليقاً