في ظل التحولات الاقتصادية والجيوسياسية المتسارعة، تتجه دول مجموعة بريكس (BRICS) نحو تعزيز استقلاليتها المالية والاقتصادية. وتعد مبادرة إنشاء نظام مالي بديل، بعيدًا عن الهيمنة الغربية، من أبرز أولويات المجموعة. هذا المقال يتناول آخر التطورات في هذا المسار، استنادًا إلى تصريحات رسمية من الجانب الروسي، مع التركيز على الأدوات والخطوات العملية التي يتم العمل عليها لتحقيق هذا الهدف. نظام بريكس المالي يمثل تحديًا واضحًا للنظام المالي العالمي الحالي.

خطوات متسارعة نحو نظام مالي بديل لدول بريكس

أكد سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، أن دول بريكس تمتلك “مجموعة واسعة من الأدوات لضمان المدفوعات الآمنة وحماية الأصول”، مشددًا على ضرورة الانتقال من مرحلة التخطيط إلى التنفيذ الفعلي. هذا التصريح، الذي نقلته وكالة تاس الروسية، يعكس عزم المجموعة على المضي قدمًا في بناء نظام مالي مستقل.

قمة قازان وريو دي جانيرو: محطات رئيسية في المسار

تعتبر قمة بريكس التي عقدت في قازان عام 2024 نقطة تحول رئيسية في هذا المسار. فقد حددت القمة “بنودًا مهمة في الإعلان النهائي” تتعلق بتطوير البنية المالية المستقلة. وبحسب ريابكوف، فإن هذه البنود تمثل “حزمة من الموضوعات ونطاقًا من القضايا التي تتطلب استمرار العمل عليها”.

لاحقًا، وفي قمة ريو دي جانيرو، تم وضع “خطوات إضافية في هذا الاتجاه”، بما في ذلك توسيع الإطار الفني والسياسي لتطوير هذا النظام المالي الجديد. هذا التوسع يهدف إلى تعزيز قدرة دول بريكس على مواجهة التحديات المالية والاقتصادية التي تفرضها الظروف العالمية.

منصة موحدة للمدفوعات والاستثمار: حجر الزاوية في النظام الجديد

أحد أبرز المقترحات المطروحة هو إطلاق منصة موحدة للمدفوعات بين الدول الأعضاء في بريكس. هذه المنصة ستسهل التجارة والاستثمار بين الدول الأعضاء، وتقلل من الاعتماد على العملات الغربية، مثل الدولار الأمريكي. بالإضافة إلى ذلك، يتم العمل على تطوير منصة استثمار محمية تتيح للدول الأعضاء والدول الشريكة جذب الاستثمارات دون الخوف من تعقّبها أو مصادرتها.

حماية الاستثمارات من العقوبات

يشدد ريابكوف على أن هذه المنصة الاستثمارية الجديدة تمثل “حلاً” لتأسيس نظام تدفقات مالية أكثر أمانًا وابتعادًا عن المخاطر المرتبطة بالعقوبات. في ظل تصاعد الضغوط المالية الغربية ومحاولات عرقلة حركة رؤوس الأموال، تعتبر موسكو تطوير هذه المنصة ضرورة استراتيجية. هذا الأمر يمثل حماية حقيقية للاستثمارات، ويشجع على زيادة التعاون الاقتصادي بين دول بريكس.

التحديات والآفاق المستقبلية لنظام بريكس المالي

على الرغم من التقدم المحرز، لا يزال هناك العديد من التحديات التي تواجه دول بريكس في بناء نظامها المالي البديل. أحد هذه التحديات هو تحقيق التوافق السياسي بين الدول الأعضاء حول الآليات والتقنيات التي سيتم استخدامها. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى بناء بنية تحتية قوية وآمنة لدعم هذه المنصات المالية الجديدة.

ومع ذلك، يرى ريابكوف أن هناك إرادة سياسية كافية في عواصم بريكس كافة لتحقيق هذا الهدف. ويعرب عن أمله في أن تُظهر الولاية المقبلة تقدمًا ملموسًا في هذا المجال. التعاون الاقتصادي بين دول بريكس يعتمد بشكل كبير على نجاح هذا النظام المالي الجديد.

أهمية النظام المالي البديل في مواجهة الهيمنة الغربية

إن إنشاء نظام مالي بديل ليس مجرد هدف اقتصادي لدول بريكس، بل هو أيضًا هدف سياسي. فهو يمثل تحديًا واضحًا للهيمنة الغربية على النظام المالي العالمي، ويسعى إلى بناء نظام أكثر عدالة وتوازنًا. في ظل تزايد الانتقادات للنظام المالي الحالي، وتأثيره السلبي على الاقتصادات النامية، يكتسب هذا المسعى أهمية متزايدة.

مستقبل النظام المالي العالمي

إن نجاح دول بريكس في بناء نظامها المالي البديل قد يكون له تأثير كبير على مستقبل النظام المالي العالمي. قد يؤدي ذلك إلى تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي، وظهور عملات بديلة، وتغيير ميزان القوى الاقتصادية والسياسية في العالم. الاستقلال المالي هو الهدف الأسمى الذي تسعى إليه دول بريكس من خلال هذه المبادرة.

في الختام، يمثل مسار بناء نظام مالي بديل لدول بريكس خطوة جريئة نحو تحقيق الاستقلال المالي والاقتصادي. على الرغم من التحديات التي تواجه هذا المسار، فإن العزم السياسي والتعاون بين الدول الأعضاء يمثلان عوامل قوة تدفع نحو تحقيق هذا الهدف. من المتوقع أن نشهد تطورات مهمة في هذا المجال خلال الفترة المقبلة، والتي قد يكون لها تأثير كبير على مستقبل النظام المالي العالمي. ندعو القراء إلى متابعة هذا الموضوع عن كثب، والتفاعل مع المقالات والتحليلات المتعلقة به.

شاركها.
اترك تعليقاً