يشهد الاقتصاد الأمريكي حالة من الترقب والقلق المتزايدين بشأن مستقبل سوق العمل الأمريكي. ففي الوقت الذي تشهد فيه أسواق الأسهم طفرة مدفوعة بالاستثمار في الذكاء الاصطناعي، يزداد شعور الكثير من الأمريكيين بأنهم مهمشون وأن النمو الاقتصادي لا يخدم مصالحهم بشكل مباشر. هذا التباين بين الأداء القوي للأسهم والواقع المعيشي للمواطنين العاديين يثير تساؤلات حول مدى صحة التفاؤل السائد.
القلق المتزايد حول مستقبل الوظائف في أمريكا
مجلة “إيكونوميست” المتخصصة أشارت إلى أن هذا القلق، رغم وجود بعض المؤشرات التي تدعمه، قد يكون مبالغًا فيه ولا يعكس الصورة الكاملة للاقتصاد. ففي حين يرى البعض أن سوق العمل الأمريكي على شفا الانهيار، تشير المجلة إلى عوامل قوة كامنة قد تمنع حدوث ذلك. هذا الجو المتوتر دفع مجلس الاحتياطي الفدرالي إلى خفض أسعار الفائدة في اجتماعين متتاليين، في محاولة “لإدارة المخاطر” كما وصفها رئيس المجلس جيروم باول. في المقابل، يدعو عضو المجلس كريستوفر وولر إلى مزيد من التخفيضات لدعم الاقتصاد الذي يرى أنه بدأ يظهر علامات الضعف.
عقد من المكاسب: نظرة على أداء سوق العمل السابق
من المهم تذكر أن العمال الأمريكيين عاشوا خلال العقد الماضي واحدة من أقوى الفترات في تاريخ سوق العمل الأمريكي. شهدت هذه الفترة انخفاضًا في معدلات البطالة إلى مستويات لم تُشهد منذ نصف قرن، باستثناء فترة جائحة كورونا التي شكلت حالة استثنائية.
الأجور ومكاسب الطبقات الدنيا
خلال هذه الفترة، ارتفعت الأجور بشكل ملحوظ، مما أتاح للعديد من الأسر الأمريكية تحقيق مكاسب حقيقية، وخاصة تلك ذات الدخل المنخفض. فقد ارتفعت الأجور الحقيقية لأدنى الفئات الدخلية بنسبة 19% منذ عام 2015، بينما لم تتجاوز الزيادة في الأجور للفئات الأعلى دخلاً 11%، وهو تحول نادر يعكس توزيعًا أكثر عدالة للثروة. ومع ذلك، لا يزال التضخم يمثل تحديًا، حيث يستقر عند 3%، وهو أعلى من هدف الفدرالي البالغ 2%.
لماذا تتصاعد المخاوف حاليًا؟
على الرغم من المكاسب السابقة، تتزايد المخاوف بشأن سوق العمل الأمريكي لعدة أسباب متداخلة:
- تباطؤ المؤشرات: تشير البيانات إلى انخفاض تدريجي في عدد الوظائف الشاغرة وارتفاع طفيف في معدلات البطالة. هذا التباطؤ، وإن كان بطيئًا، يثير قلق صانعي السياسات الذين يفضلون التحرك الوقائي لتجنب انحدار حاد.
- خطط التسريح الجماعي: أعلنت شركات كبرى مثل أمازون وفيرايزون عن خطط لتسريح عشرات الآلاف من الموظفين، مما أثار الذعر في أوساط العمال. ويظهر مؤشر تسريح الموظفين ارتفاعًا ملحوظًا، كما أن إشعارات قانون وارن تشير إلى زيادة في نوايا الشركات لتسريح العمال.
- تراجع ثقة المستهلك: تضررت ثقة المستهلك الأمريكي بشكل كبير بسبب موجة التضخم التي أعقبت الجائحة، واستمرت في التدهور خلال الأشهر الأخيرة. أصبح الأمريكيون أقل تفاؤلاً بشأن قدرتهم على إيجاد وظيفة جديدة، حتى بالمقارنة مع ذروة الجائحة.
قراءة متفائلة: البيانات العميقة تكشف عن قوة كامنة
على الرغم من هذه المخاوف، تقدم “إيكونوميست” قراءة مختلفة تشير إلى أن الوضع قد لا يكون قاتمًا كما يبدو. وتستند هذه القراءة إلى عدة نقاط:
- البطالة لا تزال منخفضة: معدل البطالة الحالي البالغ 4.4% لا يزال أقل بكثير من المتوسط التاريخي منذ عام 1948. بالإضافة إلى ذلك، فإن معدل التوظيف بين الفئة العمرية 25-54 عامًا مستقر عند حوالي 80%، وهو أعلى مستوى تاريخي لهذه الفئة.
- لا مؤشرات واضحة على ركود: على الرغم من أن “قاعدة سام” (Sahm rule) أظهرت علامات خطر محدودة في أغسطس 2024، إلا أن البيانات الأحدث تشير إلى تباطؤ تدريجي لا يهدد بحدوث ركود وشيك.
- الزخم الاقتصادي قوي: تشير تقديرات “ناو كاست” إلى نمو اقتصادي قوي في الربع الثالث من العام. كما أن أسواق الأسهم لا تزال محلقة، وأسواق الدين لا تسعر احتمالات عالية للتعثر، والأجور تواصل مسارها الصاعد. كل هذه العوامل تجعل الانهيار المفاجئ في سوق العمل الأمريكي أمرًا غير مرجح.
تأثير السياسات وتوقعات المستقبل
تذكر المجلة أن حالة عدم اليقين التي خلفتها سياسات الرئيس ترامب قد ساهمت في تردد الشركات في التوظيف. ومع ذلك، فإن هذه الحالة بدأت تتراجع تدريجيًا، مما قد يشجع الشركات على إعادة التوظيف مع وضوح الرؤية السياسية في عام 2026.
الخلاصة: تفاؤل حذر بشأن مستقبل سوق العمل
في الختام، على الرغم من التوتر السائد في الأسواق والشعور بالقلق لدى الكثير من الأمريكيين، ترى “إيكونوميست” أن سوق العمل الأمريكي لا يزال يتمتع بزخم قوي بعد عقد كامل من النمو. تشير البيانات العميقة إلى أن المخاوف بشأن انهيار وشيك قد تكون مبالغًا فيها. ومع ذلك، من الضروري مراقبة المؤشرات الاقتصادية عن كثب واتخاذ الإجراءات اللازمة للتخفيف من أي مخاطر محتملة. هل تعتقد أن هذه التحليلات تعكس الواقع؟ شارك برأيك في التعليقات! تابعنا للمزيد من التحليلات الاقتصادية المتعمقة.
Keywords used: سوق العمل الأمريكي (used 6 times)
Secondary Keywords: الوظائف في أمريكا, الاقتصاد الأمريكي (used naturally throughout the text)



